رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الغفار شكر عن استحقاقات الرئيس القادم: ترسيخ الديمقراطية وتفعيل الدستور وتحقيق العدالة الانتقالية

فيتو

  • تطبيق قانون العدالة الانتقالية سيطال شخصيات لا تزال موجودة في السلطة
  • يجب أن يحاسب كل من أخطأ كما حدث في جنوب أفريقيا أو المغرب 
  • السماح للأحزاب بحرية الحركة ومخاطبة المواطنين إعلاميًا.. ورفع يد السلطة التنفيذية عن الإعلام 


تترقبُ مصرُ، خلالَ أسابيعَ قليلةٍ، انتخاباتٍ رئاسيةً جديدةً، سوفَ تُسفرُ، أياَ كانتْ سيناريوهاتُها ومُجرياتُ أحداثِها، عنْ اسمِ الرئيسِ الذي سوفَ يتولَّى مقاليدَ الأمورِ، خلالَ دورةٍ رئاسيةٍ تستمرُ 4 سنواتٍ، بحسبِ نصِّ "الدستورِ الحالى".. ولا يختلفُ اثنانِ على أنَّ البلادَ، شهدتْ في السنواتِ الأربع الماضيةِ، حزمةً من الإنجازاتِ، على جميع المستوياتِ.. 

وبالنظرِ إلى أنَّ مصرَ كانتْ خارجةً منْ ثورتينِ مُتعاقبتينِ، فإنَّهُ يمكنُ وصفُ تلكَ الإنجازاتِ بـ "المُهمَّةِ والعظيمةِ"، ولا يجوزُ، تحتَ أىِّ غطاءٍ سياسىٍّ، جحودُها وإنكارُها والتقليلُ من شأنِها وتشويهِها وإثارةِ الغُبارِ حولَها.. ولكنْ في الوقتِ نفسِه، ولأسبابٍ عديدةٍ لا تخفى على أحدٍ، بعضُها موضوعىٌّ، وبعضُها دونَ ذلك.. فإنَّ "شعبَ مصرَ الأبىَّ العظيمَ"، كما يتمُّ وصفُه في "الخطاباتِ الرئاسيةِ"، لا يزالُ بانتظارِ الكثيرِ، هذا الكثيرُ، للأسفِ، ليس مزيدًا من رفاهيةِ العيشِ، ولكنه يقتصرُ فقط على "الخدماتِ الأساسيةِ"، أو ما يمكن اختزالُه في "الحياة الكريمة" التي تشملُ: فرصةَ عملٍ مستقرةً، وتعليمًا حقيقيًا، وخدمةً طبيةً جيدةً لا تميزُّ بين فقيرٍ وغنىٍّ، وبنيةً تحتيةً مُتكاملةً!! بعدَ سبعِ سنواتٍ عِجافٍ، وتحديدًا منذُ ثورةِ يناير 2011.. ارتفعَ سقفُ أحلامِ المصريين الذين ظنَّوا أنهم ضربوا موعدًا معَ القدرِ، لينتقلوا من حياةٍ بائسةٍ، إلى حياةٍ أقلَّ بؤسًا، ولكنْ ليسَ كلُّ ما تتمنَّاهُ الشعوبُ تُدركُه، لا سيَّما إذا كانتْ البلادُ تمرُّ بظروفٍ اقتصاديةٍ شديدةِ الصعوبةِ.. وعلى أي حالٍ، فإنَّ المؤشراتِ الاقتصاديةَ والتقاريرَ الدوليَّةَ والوعودَ الرئاسيَّةَ تبشِّرُ بمستقبلٍ أفضلَ سوفَ تنعكسُ آثارُهُ على قطاعاتٍ أكبرَ منْ المصريينَ.

وانطلاقًا من المشهد الراهن، بدأ الكاتب والمفكر عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، حديثه عن المستقبل المصرى، ملفات عدة وضعناها على طاولة "شكر" بدءا من الملف الحقوقى، ووصولا إلى "تمكين المرأة"، مرورًا برؤيته لحال المجتمع المدنى، والتحديات التي تواجه الرئيس القادم لمصر، والعدالة الانتقالية وما إلى ذلك من ملفات تندرج تحت خانة "واجب التنفيذ بأسرع وقت".

تحديات جسام وملفات محورية ملقاة على عاتق رئيس مصر القادم، تحدث عنها نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في حوار لـ«فيتو»، وما هو مطلوب منه وفقّا لما حدد الدستور والقانون، لتوفير المقومات الأساسية للديمقراطية، وفتح المجال العام وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية واستعادة نشاط الأحزاب والإيمان بحرية العمل الأهلي وغيرها.. فإلى نص الحوار:

*بداية.. من واقع خبرتك وقراءتك للمشهد الحقوقى المصرى.. ما المطلوب من رئيس مصر القادم في ملف الحريات؟
عندما قامت ثورة يناير العظيمة، كانت ثورة شعبية بشهادة العالم وليست مدفوعة من قوى خارجية، كما يدعي البعض وإن استولت عليها بعض التيارات فيما بعد، إلا أنها تظل ثورة شعبية خالصة، طالبت الجماهير فيها بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وعندما تتحقق هذه المطالب بالتبعية تتحقق الكرامة الإنسانية، أما فيما يتعلق بـ"المطلوب من الرئيس القادم".. فنحن نحتاج منه أن يعالج ملفين مهمين عانت منهما مصر ما قبل ثورة يناير واستمرا لما بعدها أولهما: الديمقراطية، نحن نحتاج من الرئيس القادم أيًا كان، أن يتعامل بشكل حقيقي لترسيخها في مصر، ويكون هناك تحول ديمقراطي حقيقي، وهذا يتطلب مجموعة من المقومات أولها القبول بتداول السلمي للسلطة، وكذلك تفعيل حق المواطنين في التعبير عن آرائهم من خلال التظاهر والتجمع السلمي وحق التنظيم.

اذا عن ملف الأحزاب والحياة السياسية؟
مصر كانت محرومة من تعددية حزبية حقيقية، لاسيما وأن السادات ومن بعده مبارك، سمحا بالتعددية الحزبية المقيدة، وكان السماح لحزب أن يتأسس يتم من خلال لجنة غالبيتها من الحزب الوطني، وبعد ثورة يناير حدث انفجار في تأسيس الأحزاب حتى وصلنا الآن إلى ما يزيد على ١٠٠ حزب سياسي، كثير منها لا تتوافر فيه مقومات الحزب، فهم لا يتعدون مجموعة من المواطنين قرروا تأسيس حزب بلا هوية، لكن هناك ما لا يقل عن ٣٠ حزبا يجمع قيادات حقيقية لديهم برنامج حقيقي ولهم هوية، إما يساري أو يميني أو إسلامي أو ناصري، وبالتالي إذا كانت هذه الأحزاب تمتلك برنامجًا ولديها عضوية تغطي مساحة كبيرة في مصر، وقادرة على تدريب أعضائها على كيفية مخاطبة الجماهير، فيجب على الدولة أن تسمح لها بحرية الحركة وتسمح لها -من خلال الإعلام- أن تخاطب الشعب بآرائها، وهذا يعد أحد المقومات الأساسية للديمقراطية.

*وماذا عن ملف الإعلام؟
الشعب لابد أن يكون له حرية الاختيار الصحيح، من خلال دور تنويري للإعلام، يحترم التنوع والاختلاف، وللأسف الآن وسائل الإعلام صفت في اتجاه الدولة وتتحدث لغة واحدة، وهناك إعلاميون أبعدوا وقنوات أٌضعفت وتم شراؤها وأخرى أسست من أجهزة أمنية، وهو وضع لابد أن يتغير حتى نتجه نحو إعلام حر متنوع ومختلف، وبالتالي تتحقق دعائم الديمقراطية التي ننشدها.

* برأيك كيف يتعامل الرئيس القادم لتحقيق العدالة الاجتماعية التي نادت بها الجماهير المشاركة في ثورة يناير؟
بالعدالة الاجتماعية يستطيع كبار الرأسماليين أن يأمنوا على ثرواتهم، لأنه عند استقرار المجتمع مع وجود حد أدنى من العدالة، يُستبعد حدوث قلاقل ويقبل السواد الأعظم من المواطنين بالحلول السلمية، وبالتالي العدالة الاجتماعية لها نتائج سياسية أيضًا، في الوقت نفسه لا يمكن لمجتمع أن يعيش ويستقر وغالبيته لا يملكون قوت يومهم في المقابل استحواذ قلة قليلة على ثروات هذا البلد، ولاسيما ثلاثة أرباع الدخل القومي المصري يذهب للرأسماليين وأقل من الربع يذهب إلى العمال والموظفين وغيرهم، ولذلك لابد أن يتم إعادة توزيع الدخل القومي لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال عدة معايير أهمها: ضرائب تصاعدية كما هو الحال في الدول الرأسمالية الغربية، وكذلك نظام سليم وعادل للأجور، وأخيرًا التحكم في الأسعار، ويتحقق ذلك من خلال الدولة بمعاونة المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وبرضاء القطاع الخاص، الذي يجب أن يعي أنه بتحقيق هذه المعايير يستطيع أن يحمي استثماراته من هنا تتحقق العدالة الاجتماعية.

* كيف يتعاطى رئيس مصر المنتظر مع المجتمع المدني؟
أي مجتمع رأسمالي، التنمية فيه تتم من خلال التعاون بين ثلاثة قطاعات(الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بأنشطته المتعددة)، وبالتالي لابد أن يكون هناك تكامل بين هذه القطاعات والتشارك في رسم السياسات العامة للدولة، ولكن المجتمع المدني الآن محاصر، ولأول مرة في التاريخ يصدر قانون يخص المجتمع المدني بهذه الطريقة وبهذا السوء - في إشارة لقانون القصبي- ولا سيما أنه صدر في ساعتين، وهناك مادة مفصلة لخنق المجتمع المدني، وبالتالي أول خطوة يجب أن يتخذها الرئيس القادم هي إلغاء قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧ المعروف بقانون القصبي، وعودة النظر في قانون وزارة التضامن الاجتماعي الذي ناقشته كل ذوي صلة.

*ماذا عن خطة التنمية ٢٠٢٠ هل على الرئيس الجديد رسم خطة بديلة وفقًا لبرنامجه أما يمكنه الإبقاء عليها واستكمالها؟
لا.. أرفض الإطاحة بالقديم ولكن لابد أن ينظر فيه وفي السياسات المطبقة، وفقًا لرؤية مدروسة، ما هو صالح منه يتبناه ويستمر، ويضاف إليه كل ما يحقق العدالة الاجتماعية والديمقراطية ورفع مستوى المعيشة، والمساواة بين الجميع في الحقوق.

* القوى المدنية تنتظر من الرئيس القادم تحقيق العدالة الانتقالية.. فكيف يتسنى له ذلك؟
قانون العدالة الانتقالية، مهمته أن يعالج المظالم التي كانت قائمة في المجتمع منذ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ إلى اللحظة الآنية، ويعوض كل من أضير وتعرض لإساءات من حبس أو اعتقال دون أمر قضائي أو تعذيب أو إعدام وأثبت القضاء فيما بعد براءته، وهذا لن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية حقيقية، ولا سيما أن القانون سيطبق على كل من أخطأ منذ ٥٢ إلى الآن لأنها حقبة متنوعة ولكن جذورها واحدة، وبالتالي إذا طبق القانون سيحاسب شخصيات لا تزال موجودة حاليًا في السلطة، ولذلك قانون العدالة الانتقالية لم يصدر في ظل الظروف الحالية وهذه الأيام، رغم مطالباتنا العديدة بتطبيقه لجبر الضرر سعيًا لإزالة الكراهية بين المصريين والأسر التي دمرت بسبب حبس عائلها والشباب الذي تم تدمير مستقبله، يجب أن يحاسب كل من أخطأ، كما حدث في جنوب أفريقيا كنموذج، أو في المغرب كمحاولة.

*ماذا عن القوانين المكملة للدستور غير المطبقة؟
الدستور المصري غير مفعل فهو دستور مع إيقاف التنفيذ، مادامت لم تصدر القوانين المكملة له على النحو الذي حدده الدستور، وأبرزها قانون التظاهر والتجمع السلمي عندما كان مشروعا قبل إقراره أبدى المجلس القومي لحقوق الإنسان، عليه ١١ ملاحظة ومازلنا نتمسك برأينا، وكثير من الجهات طالبت بتعديله والأخذ بملاحظات قومي حقوق الإنسان، وبالتالي أطالب الرئيس القادم بتعديل القانون حتى يتفق مع الحق الدستوري في التظاهر السلمي، وكذلك قانون انتخاب مجلس النواب، لابد أن يتم تعديل القانون الحالي الذي أتى ببرلمان ليس له مثيل في تاريخ البرلمانات المصرية حتى في عهد الاحتلال فهو الأسوأ على الإطلاق، ولا يليق بأول دولة عرفت الحياة النيابية في الإقليم العربي، ويجب أن يصدر تشريع يعدل ويعود إلى نظام القائمة النسبية لمعظم المقاعد وعدد محدد للفردي.

ما النصائح التي يمكن أن تقدمها للرئيس القادم فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب؟
أولا.. لا يمكن التعاطي مع ملف الإرهاب أمنيًا فقط، ولكن يحصن الشعب ضد الإرهاب من خلال حرية النشاط والحركة وحرية الإعلام والحق في الحصول على المعلومات، كما يجب على المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام، أن تلعب دورًا كبيرًا في تحسين سلوك المواطنين وفكرهم، وبالتالي مواجهة الإرهاب بالثقافة - مسرح وسينما- الحوار - الأغنية- والحريات ومشاركة المجتمع المدني بالإضافة إلى الدور الأمني.

تجديد الخطاب الدينى.. ما الذي يحتاجه ليتحقق على أرض الواقع؟
الخطاب الديني وتجديده يتطلب تغييرا جذريا في الأزهر ووزارة الأوقاف، ولاسيما أنهما من مصادر التشدد الذي حدث في السنوات الأخيرة، وكان الأزهر يتمتع بخطاب وسطي، ولكن تلاشي مع الانفتاح على دول الخليج في السبعينيات من القرن المنصرم، وانتشر الفكر الوهابي في المجتمع المصري، ودخل الأزهر الشريف، وبالتالي الأمر يتطلب تغييرا في الأفكار من خلال تنقية التراث، ولاسيما أن غالبية العلماء نقلوا من البخاري ومسلم النصوص كما هي، دون نظرة نقدية وإذا ما كان يتفق مع القرآن والسنة أم لا، فتغيير الخطاب يبدأ بنظرة نقدية للتراث، وكذلك تضافر المجتمع في عملية تجديد الخطاب الديني من خلال تغييرات في بنية الأزهر، وتتشارك المؤسسات الأخرى ولاسيما الثقافية والإعلامية والمفكرين والأدباء سينتج عن هذا كله إشاعة مناخ يؤدي إلى تجديد حقيقي للخطاب الديني.

هل المرأة تحتاج إلى دعم الرئيس القادم لوجودها في المشهد العام؟
نعم، وضع المرأة في المجتمع تطور، فهي تشغل في بعض الوزارات معظم الوظائف، وفي كل الوزارات نسبة معقولة، نطمح في أن نراها في أجهزة الدولة، وفي المناصب القيادية ليتناسب مع وجودها في المجتمع، ولكن لا أحد ينكر أن هناك خطوات للأمام على رأس هذه الخطوات وجود مجلس قومي للمرأة، وهناك وزيرات لأول مرة في تاريخ مصر، و٨٨ نائبة تحت قبة البرلمان، ونطمح في المزيد من التمكين.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية