رئيس التحرير
عصام كامل

التليفزيون المصرى بين أحلام الماضى و ضياع المستقبل


مازلنا نعیش أحلام الماضي ونتمنى أن نعود إلى زمن الفن الجمیل، وقد تحقق ذلك من خلال قناة "ماسبیرو زمان" التي أعادت للأذھان وللشاشة التلیفزیون القیم الجمیلة، والأهداف النبیلة والألفاظ الراقیة التي تعجز البرامج الحالیة عن تقدیمها للمشاهدین، والأهم من ذلك كله أعاد إلینا مرة أخرى القدرة على التقیيم، فبینما نشاهد تلك البرامج القدیمة نجد أنفسنا بلا وعي منا في عقد المقارنات بین المستوى الثقافي والفني والأخلاقي لمحتوى البرامج وما نشاهده الیوم من تدنٍ في المستوى العام للبرامج.


فالتليفزيون يملك تراثًا زاخرًا لا یمكن تجاهله واستمراریة هذه القناة سیؤدي بالضرورة إلى تحسین نوعیة البرامج الحالیة، فهي تعرض وتقدم نموذجًا یحتذى به، وإن كانت هناك محاولات جادة من القائمين على إدارة التليفزيون لتطويره حتى یستطیع أن یدخل حلبة المنافسة مع المحطات الأخرى حتى یلقى قبولا من المشاهدین..

ولكن ما یثیر تساؤلي الآن هو أین تراثنا التلیفزیوني والإذاعي الخاص ببرامج الأطفال، فمصر كانت هي الوحیدة في الوطن العربي التي كانت تخصص أوقاتًا لبرامج ومسلسلات الأطفال بل فوازیر خاصة لهم، وقدمها أساتذة كبار أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وغیرهما الكثیر.. هذا إلى جانب المسرحیات التلیفزیونیة الموجهة إلى الطفل، كنا نحن رواد هذا الفن الذي یعمل على تنمیة عقلیة الطفل المصري وتوسیع مداركه، وكان الأطفال الصغار یتعلمون معلومات عامة في شتى المجالات، بل یتعلمون أیضًا الأخلاق وآداب التعامل والسلوكیات الحمیدة من تلك البرامج..

فالمستوى المتدني الذي وصل إلیه أطفالنا الیوم من غیاب الوعي وعدم القدرة على التعامل لیس فقط للتطور التكنولوجي الذي جعل الأطفال لا یفارقون هواتفهم المحمولة أو ألعاب الكمبیوتر، فجزء كبیر مما وصل إلیه الطفل المصري الیوم یرجع إلى عجز وسائل الإعلام عن تقدیم محتوى یجذب الطفل، ویخاطب عقله كشخص ناضج، فحتى برامج الأطفال التي تقدمها بعض القنوات العربیة المتخصصة للطفل تعتمد بشكل أساسي على البرامج الأجنبیة المترجمة المدبلجة، التي ثبتت في أذهان أطفالنا العنف والأفكار التي لا تناسب مجتمعاتنا الشرقية..

فلماذا لا تظل مصر في مكانتها الریادیة وتقوم بتخصیص قناة مصریة تعرض كل التراث القدیم للطفل، والتي أنتجتها العقول المصریة، وما تم إنتاجه حالیًا من أعمال ذات مستوى متمیز؟! أین برامج نجوى إبراهیم، وبابا شارو، وأبلة فضیلة، وأغنيات صفاء أبو السعود، والمسرحیات، والمسلسلات، والبرلمان الصغير.. أین كل هذه الأعمال التي تخص الأطفال، ولماذا توقفنا عن إنتاج المسلسلات الخاصة بالطفل.. ولماذا توقفنا عن مخاطبة الأطفال من سن 10 إلى 15 سنة.

أتمنى أن أرى یومًا على التلیفزیون المصري قناة خاصة للأطفال، وأناشد المسئولین عن التلیفزیون بالإفراج عن التراث الزاخر لأطفالنا، والذي توقف عن تقدیمه تمامًا، وأصبح أطفالنا الیوم عرضة لموجة من البرامج الأجنبیة الموجهة لتخریب عقولهم، فإنشاء قناة تلیفزیونیة للطفل أصبح ضرورة وواجبًا وطنيًا.
الجريدة الرسمية