أحلام الخبز والعيش الضائعة في يناير!!
شهر يناير هو الأكثر قسوة في حياة الفقراء والكادحين من شعب مصر منذ ما يقرب من نصف قرن، فعندما يأتى يناير من كل عام يكون فصل الشتاء القارس قد أشهر سيفه في وجه الجميع، لكن يظل هذا السيف حادا على رقاب الفقراء والكادحين الذين لا يملكون مأوى يحميهم، ولا رداء يسترهم، ولا طعاما يدفئهم، وتظل أكبر أحلام الفقراء والكادحين من شعب مصر في يناير هي كيف يواجهون غول البرد ويحمون أنفسهم منه؟
وهنا تبرز أهمية النظر في أحوالهم المعيشية المتدهورة، ويبرز السؤال من المسئول عما آلت إليه أحوالهم؟ وغالبا ما تفضى هذه التساؤلات في يناير إلى انتفاضات شعبية في وجه السلطة السياسية الحاكمة.
وخلال النصف قرن الأخير انتفض الفقراء والكادحين في وجه السلطة السياسية الحاكمة مرتين الأولى في 18 و19 يناير 1977 فيما عرف بثورة الخبز والتوصيف الحقيقي لها هي انتفاضة الخبز؛ لأن الثورة هي إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية..
ونتائج انتفاضة يناير 1977 لم تحقق التغيير المطلوب لتوصيفها كثورة، لذلك وقفت عند حد توصيفها كانتفاضة شعبية، وكانت الدوافع الرئيسية لهذه الانتفاضة هي ارتفاع الأسعار بما لا يستطيع تحمله الفقراء والكادحين من شعب مصر، فكانت انتفاضتهم وانفجارهم في وجه السلطة السياسية الحاكمة الصانعة لسياسات الانفتاح الاقتصادى الذي يزيد من معاناة الفقراء والكادحين ويعمق الفروق الطبقية، بحيث يزداد الفقراء فقرا ويزداد الأغنياء غنى.
ولم تتمكن السلطة السياسية الحاكمة في السيطرة على الموقف وكادت تنهار وحاول الرئيس السادات الهرب، لكنه في النهاية اضطر أن يتراجع خطوة للخلف ويعلن عن عودة الأسعار إلى ما كانت عليه، وقامت أجهزته الأمنية بالقبض على قادة الانتفاضة الشعبية، وقامت أجهزة اعلامه بتشويه صورة انتفاضة الخبز، حيث وصفتها بانتفاضة الحرامية في محاولة لوصمها اجتماعيا، وتمكنت السلطة الحاكمة من إجهاض أحلام الفقراء والكادحين في يناير 1977 في الخبز، واضطر هؤلاء الفقراء والكادحين للصبر وتحمل المزيد من المعاناة في كل شتاء يمر بهم وفى كل يناير يتجدد حلمهم الضائع في توفير الخبز اللازم لمواجهة برد الشتاء القارس.
وظل الفقراء والكادحون ما يزيد على ثلاثة عقود كاملة صابرين على السلطة السياسية الحاكمة، حتى كانت انتفاضتهم الثانية في 25 يناير 2011 والتي أطلقوا عليها ثورة 25 يناير، وهى بالطبع ووفقًا لنتائجها لم ترق لمستوى الثورة، فلم تحدث أي تغيير جذرى على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسي والثقافى، لذلك وقفت عند مستوى الانتفاضة الشعبية، وإن كانت قد تمكنت من الإطاحة برموز السلطة السياسية الحاكمة، لكنها لم تتمكن من تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي أدت إلى تدهور أحوال الغالبية العظمى من المصريين.
وبعد مرور سبع سنوات على انتفاضة العيش وضياع أحلام الفقراء والكادحين في حياة كريمة، يأتي يناير هذا العام ومازال الفقراء والكادحون يعانون من برد الشتاء القارس، ومازال بعض رجال الأعمال من الفاسدين يسيطرون على مفاصل الاقتصاد الوطنى، ومازال التجار يتلاعبون بقوت الفقراء والكادحين ويزيدون من معاناتهم، ومازال الإعلام الفاجر يصف انتفاضة العيش الشعبية بأفظع وأقذر الأوصاف، فتجد من يصفها بنكسة يناير في محاولة لتشويه الانتفاضة ومن شارك فيها، ومازالت السلطة السياسية الحاكمة عاجزة عن تحقيق أحلام الفقراء والكادحين في الخبز والعيش.
وما يهمنا الآن هو كيف نخرج الفقراء والكادحين من دائرة المعاناة، فمن خرج منتفضا في يناير 1977 أو يناير 2011 لم يكن طامعا في سلطة أو نفوذ، ولم يكن يسعى للإطاحة بالسلطة السياسية الحاكمة، وليس له ناقة ولا جمل في الصراع الدائر بين الصفوة السياسية على كراسي الحكم، فقط كان حالمًا بالخبز والعيش فهل هذا كثير؟
والمطلوب الآن من السلطة السياسية الحاكمة التي استتب لها الأمر، أن تسعى إلى تحقيق هذه الأحلام البسيطة عبر تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة منذ ما يقرب من نصف قرن، والتي تزيد من معاناة الفقراء والكادحين من شعب مصر، حتى لا يضطر الفقراء والكادحون إلى الانفجار مرة أخرى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.