عمر أنس وحسين زين
لا أظن أن صحفيا مصريا لا يعرف عمر أنس.. هو واحد ممن أبدعوا بالكاميرا.. فنان من طراز فريد.. عشق التصوير الصحفي فقضي حياته مفتونا به.. يمتلك أرشيفا نادرا.. عانى من أمراض المهنة وتحمل أعباءها على مدار تاريخه.. لم نره يوما يؤدي عمله بشكل وظيفى.. يتحرك كما لو كان ضوءا.. نورا يجري خلف مناطق الظلال.. يصعد بناية عالية أو يرقد أرضا كما تفرض عليه رؤيته من أجل لقطة لا يراها غيره.
قضي سنوات شبابه بين دهاليز مهنة المتاعب.. أفني عمره بمجلة الإذاعة والتليفزيون وعندما حل ما يطلقون عليه موعد المعاش كانت كل كاميرات رفاقه وزملائه وتلامذته تلتقط له ملامح هذه اللحظات العصيبة.. لم يعترض عمر على مصطلح الخروج إلى المعاش.. بين المحتفلين بأدائه واجبه على أكمل وجه، وكنت واحدا منهم.. اغرورقت عيناه بالدموع وهو يلقى كلمة.. كلمة لم تكن لديها القدرة على اختزال مشوار العمر هنا بين استديوهات المبني العريق أو وسط قاعات مجلس الشعب أو بين عناوين الفنانين والفنانات.
عمر أنس الذي خرج على "المعاش" لا يزال يبحث عن "معاش".. نعم كانت مكافأة واحد من أهم المصورين المصريين في جيله وربما لأجيال قادمة أن يقف في طابور "الموت" منتظرا "المعاش".. مكافأة نهاية الخدمة.. مستحقاته.. فرض عليه الواقع المر أن يقف في طابور السنوات ليحصل على حقوقه دون جدوى.. عمر ليس وحده.. أكثر من ألف موظف وفنان ومذيع وصحفي ينتظرون على أبواب الحكومة.
عمر أنس الذي سجل بعدسته تاريخا من الظلم ونشر عبر عينيه اللامعتين كل مآسي البشر.. ونقل لدواوين الحكومة مظالم الناس.. وأسعد الجماهير بإضاءاته.. وعبر عن البسطاء في ملامح فلاح يدق الأرض دقا.. ووقف بكاميرته أمام ماكينات المصانع وصاغ الحق صورة في مواجهة الظلم..هذا الـ:"عمر".. أصبح واحدا ممن يقفون في طابور "المظاليم".. تحول من فنان على المعاش إلى باحث عن "معاش".
السيد حسين زين لم يحرك ساكنا.. الدولة ممثلة في كل أجهزتها اختارت أن تطلق رصاصة الإهمال على واحد من ذلك الجيل الذي تعلمنا منهم معنى العمل الجاد.. الفن الراقي.. المهنية والاحترافية.. كل القيم الراقية.. عمر لا ينتظر من أحد مكرمة فقد جسد طوال مشواره المعنى الحقيقي للإباء والكرامة.. عمر يقف في طابور مهمل على أبواب دولة تصر على أن الفنان مثل أي آخر.. يخرج على المعاش وليته وجد معاشه!!