لماذا تختار الشعوب القادة المهيمنين وقت الأزمات؟!
في بحث نشرته "Harvard business review" عن موجة سياسية يشهدها العالم تمثل جيلا من القادة السياسيين المسيطرين بدءًا من ترامب إلى ناريندرا مودي (الهند) إلى نايجل فاراج (بريطانيا) إلى أردوغان بما يمثل ظاهرة سياسية.
امتاز البحث الذي نشرته "الأكاديمية الوطنية للعلوم" وشارك فيه كل من "نيرو سيفاناثان" و"هيمانت كاكار" بأنه أوضح الظروف والمناخ الذي يدفع الناخب نحو هذا الاختيار، واعتمد البحث في مقدمته على كلاسيكيات علم النفس التطوري والاجتماعي لتصنيف القيادة.. القيادة المهنية والقيادة المهيبة.
والنوع الأول هو قائد حازم مسيطر حاسم مهيمن (الذكر المسيطر في المجموعة)، يؤمن بالتسلسل الهرمي، أما الآخر قائد ذو كفاءة وخبرة واحترام، وكل من النوعين من وجهة النظر العلمية لا هي خير مطلق أو شر مطلق، إنما هي أنماط قد تصيب أو تخطئ.
يميل الناخب إلى اختيار القائد المهيمن المسيطر عندما يكون المناخ العام مضطربًا وتنعدم الرؤية المستقبلية، ولأن الشعور بالسيطرة هو حاجة إنسانية أساسية، ويوفر هذا القائد نوعًا من الاطمئنان النفسي أمام التحديات لإعادة الشعور بالسيطرة على الأمور، وقد اتفقت أبحاث سابقة على لجوء البشر وقت الأزمات إلى أمور خارجية مثل الحكومات والآلهة والقيادات.
كانت عينة البحث الأولى ٧٥٠ ناخبًا في ٤٦ ولاية صوتوا لترامب أو هيلاري، مع دراسة الميول السياسية إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمدينة والرؤية المستقبلية، وكانت النتائج أنه كلما زادت حالة عدم اليقين الاقتصادي زاد التصويت لترامب.
وفي الجزء الثاني تم دراسة عينة ١٤٠٠ ناخب من ٥٠ ولاية، وتم تحييد الرأي الشخصي لترامب أو هيلاري، وتم سؤال المواطن عن قائد محلي مهين أو مهيب، وتم تحليل التعبيرات اللفظية نفسيًا لإدراك النتائج.
الجزء الثالث من البحث استهدف ما إذا كانت نفس النتائج تنطبق على الناخبين في أنحاء العالم، فتم الاعتماد على مؤسسة world values survey، والتي تعمل على دراسة المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا في أنحاء العالم منذ ١٩٨٣، وتم تحليل بيانات ١٣٨٠٠٠ استقصاء رأي في أكثر من ٦٩ دولة، مع ربطها بتقارير البنك الدولي، ونسب البطالة، وقد أكدت النتائج أن حالة عدم اليقين تدفع إلى اختيار قائد مهيمن خاصة البطالة المرتفعة.
ودلل الباحثان على النتائج بحادثة سياسية عندما فرضت أنديرا غاندي حالة الطوارئ متجاهلة الإجراءات الدستورية، وسجنت قادة المعارضة إلى جانب تقييدها للحريات، ورغم ذلك حظيت بدعم شعبي.
جورج واشنطن وشارل ديجول ومحمد على، أظهروا في بعض مواقفهم سيطرة وهيمنه، بل تحكمًا سافرًا للخروج ببلادهم من أزمات مثلت كوابيس أمام الرأي العام الشعبي، وأسسوا النظام المستقر لبناء دول متقدمة لعقود وعقود.
ووفقًا لما يمر بالعالم من توتر خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتنامي موجة الإرهاب ممثلة في داعش ووجود صراع دولي لرسم موازين القوى العالمية بما يسبق خلق نظام عالمي جديد، وهو ما يدركه العقل الجمعي للشعب المصري.
رأيي الشخصي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي شكل صورة ذهنية للقائد القوي الحامي لبلاده، لذا سيحظى بإقبال وتصويت شعبي؛ لأن الشعب المصري يدرك تحديات وتدخلات خارجية وحرب اقتصادية، ولم يظهر منافس يحقق الأمن النفسي للمواطن، رغم أي جراح سببها الإصلاح الاقتصادي الحتمي، ولكن مازالت الثقة في القيادة السياسية موجودة بناءً على المجهود المبذول ودرجات التسليح التي تحقق الأمن القومي المصري، رغم بعض التحديات الاقتصادية التي تواجه الوطن الذي مر بفترة عصيبة، عندما اختطفته عصابة الإخوان، ولن ينسى تاريخ مصر دور السيسي البطولي في دحر الفاشية الدينية.