رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية «كليمنت» أول قسيس أصم في الوطن العربي.. يتواصل مع تلاميذه بالإشارة.. ويطالب بترك التعصب ونشر التسامح.. «نرمين» تكمل نصفه الآخر.. والاستقرار في مصر قراره الأخير

فيتو



الأصم إنسان كبقية الناس، ولكن الله، لحكمة أرادها، سلبه القدرة على السمع بالأذن كما سلب الأبكم باللسان، بل أن بعض الناس ينظرون للأصم الأبكم على أنه إنسان غير كامل الأهلية في شئون الحياة، وهذا خطأ كبير، فهناك من سلب منهم حاسة السمع، لكنه عوضهم بقدرات ومواهب أخرى، لا يتمتع بها الأصحاء، واستطاعوا أن يصلوا لمناصب عليا رغم كونهم صمًّا أو بكما.


وفي السياق، نريد أن نسلط الضوء على هذا العالم الصامت الذي ظُلم في كثير من المجتمعات، ونظهر شخصًا ممن أصبح له دور بارز في الوطن العربي بأكمله.. ليس ذلك فقط، بل كونه الوحيد من الصم والبكم الذي تحدي قدراته، ووصل إلى هذا المنصب ليطلق عليه لقب "أول قسيس أصم في الوطن العربي"، وأصبح عنصرًا فعالًا في المجتمع تراه يعمل بجد وإخلاص.

كليمنت
كليمنت، أول قسيس أصم في الوطن العربي، سوداني الجنسية، أتى من بلده الأم السودان منذ 20 عامًا، حيث ولد أصمًّا، ولم يتمكن من تعلم النصوص الإنجيلية، فجاء إلى مصر رغبة في التعلم والعيش داخل الكنيسة.

بعد قدومه إلى القاهرة علم أن الكنيسة الأسقفية "يسوع نور العالم" بمصر القديمة، بها مدرسة لتعليم الصم والبكم العديد من الفنون والمهارات والحرف اليدوية، بالإضافة إلى النصوص الإنجيلية المقدسة بلغة الإشارة، وهذا هو السبب الأساسي لمجيئه إلى مصر، فأسرع بالانضمام لها وحفظ أجزاء كبيرة من الإنجيل، حتى بات مؤهلًا لتدريس الأطفال الصم في المدرسة.

ظل "كليمنت" يترقى بالكنيسة، ومن درجة إلى أخرى حتى أصبح راعيًا، وأول قس أصم في تاريخ الكنيسة المصرية، بل في الوطن العربي بأكمله.

تلاميذه
يروي "كليمنت" لـ "فيتو"، مستخدمًا لغة الإشارة، وبمساعدة مترجمة لغة الإشارة الخاصة به، أنه دائمًا يلتف حوله مجموعة من شباب الكنيسة يشرح لهم ما يدور من أمور، لكن بلغة خاصة تتناسب مع ظروف فاقدي السمع، كونه خادمًا ومسئولًا عن كنيسة الصم، مشيرًا إلى أن النشاطات التي يقوم بها مع الصم هي نفس النشاطات التي يقوم بها الأشخاص العاديون لكن بعد ترجمتها بإشارات خاصة بالصم.

حياته بمصر
الصمم لم يربط بين "كليمنت" ورعيته في الكنيسة فقط، بل جمعه بحبه الأول ورفيقته الأبدية في الحياة "نرمين"، والتي التقى بها صدفة برفقة مجموعة أطفال من دار الأيتام ترعاهم داخل الكنيسة، ليدقَّ قلبه لأول مرة ويقع في غرامها، لكن الخجل كان هو الحاجز الوحيد بينهما ليعترف بحبه لها، والخوف من أن ترفض مبادلته نفس الشعور، وخشية والديها لأنه وحيد في مصر ولبشرته السوداء وأصوله الأفريقية، لكن حبه الشديد الذي أصبح يزداد يومًا بعد يوم جعله يتشجع ويخبرها بمشاعره تجاهها، ليعلم بعد ذلك أنها تبادله الإعجاب، ويتزوجا ويصبح أبا لأسرة مكونة من طفلين "أستا التي تبلغ من العمر ست سنوات، ومانويل 4 سنوات"، ويدير حياته بكل نقاء وينعما بحياة هادئة مليئة بالحب منذ أن تزوجا قبل 8 سنوات.

حلم العودة

يحلم "كليمنت" بزيارة بلده السودان برفقة زوجته وأسرته، لكنه لا ينوي الاستقرار ويريد العودة حبًا في مصر التي قضى بها أجمل أيام حياته، واحتضنته حين كان وحيدًا، وأصبحت وطنًا يعيش فيه بفضل شعبها الذي لم يشعره يومًا بأنه غريب عنه.

رسالة كليمنت للصم
وجه "كليمنت" رسالة للصمِّ، طالبهم فيها بعدم التعصب لأنهم أكثر حساسية من عامة الناس، فلو تعرض الأصمُّ لإشارة تدل على السخرية سيكون أمامه أحد الخيارين؛ إما أن يبكي بعيدًا عن الأعين أو يولد ردة فعل غير متوقعة كالضرب أو الانتقام ممن سخر منه، وهذا هو أرجح الاحتمالات، وأيضًا طالبهم بمحاولة ممارسة حياتهم كأناس عاديين، والمشاركة في محبة العالم والكبر في حضن مصر والرضا بما اختاره الله لكل شخص، والتأكد من أن الله يعوض كل إنسان سلب منه حاسة أو نعمة بذكاء كبير يفوق عموم الناس.
الجريدة الرسمية