رئيس التحرير
عصام كامل

4 حكايات من عنبر القاتلات في سجن القناطر.. جميعهن تورطن في جرائم قتل والمؤبد عقوبتهن.. عزيزة أنقذت ابنها من المخدرات بـ4 طعنات في قلب الزوج.. شيماء أغرقت ابن «سلفتها» بسبب الغيرة وتمنت الإعد

فيتو

داخل سجن النساء بالقناطر، يوجد عنبر كامل مخصص للمحكوم عليهن في جرائم النفس ومن بينها القتل.. وفى هذا العنبر نساء كثيرات محكوم عليهن بعقوبات مشددة بعد إدانتهن في جرائم قتل عمد، لأسباب مختلفة وبطرق وأساليب متنوعة.. منهن من قتلت زوجها طمعا في الميراث، ومن ارتكبت جريمتها بعد اكتشاف خيانته لها، وهناك من قتلت زوجها لاحترافه تجارة المواد المخدرة، وحاول تدريب طفلها الصغير على تعاطى الهيروين، وهناك من قتلت طفلا صغيرا انتقاما من أمه.. محقق "فيتو" في الملف التالى يرصد بالكلمة والصورة، حكايات هؤلاء النسوة، وكيف تحولن من سيدات متزوجات ومستقرات في منازلهن وبين أسرهن، إلى نزيلات في عنبر القتلة.


زوج مدمن
خلف ماكينة خياطة داخل ورشة صناعة الملابس، جلست امرأة شابة منهمكة في عملها، وعلى وجهها علامات حزن شديد تحاول إخفاءها بابتسامة مصطنعة، وبين الحين والآخر تتبادل حديثا قصيرا مع زميلاتها.. اقترب المحقق منها وسألها عن حكايتها وسبب دخولها السجن.. أجابت في هدوء شديد: "حكايتى طويلة وفيها تفاصيل كثيرة لا يتسع الوقت لسردها".. قال المحقق: "كلنا آذان مصغية".. تنهدت في حسرة وألم قبل أن تقول: "اسمى عزيزة وعمري 25 سنة.. قبل سنوات من دخولي السجن، كنت أحلم بالزواج والاستقرار مع رجل بمعنى الكلمة، يقدر بيته وزوجته وأولاده..

تعرفت على شقيق صديقتي وربطت بيني وبينه علاقة حب طويلة، وظننت أنه الفارس الذي سيحقق لي كل أحلامي.. تقدم لخطبتي وبالطبع وافقت دون تردد، غير أن أسرتي رفضته نظرًا لعدم وجود عمل ثابت له.. صممت على رأيي وبالفعل تمت الخطبة وتحدد موعد الزفاف.. قبل أيام من الفرح اكتشفت أن خطيبي تاجر مخدرات.. لم أجرؤ على فسخ الخطبة أو التراجع عن الزواج، خصوصا وأنني تحديت الجميع وتمسكت به..

بعد الزواج حاولت بشتى الطرق إصلاحه وإبعاده عن طريق المخدرات، ولكنني فشلت وتوسعت تجارة زوجي وتحول إلى واحد من كبار التجار في منطقة بولاق الدكرور بالجيزة".

صمتت عزيزة قليلا واستطردت: "في هذه الأثناء أنجبت ابنى "يوسف" وتخيلت أن والده سيتغير ويبحث عن عمل شريف كي ينفق عليه من مال حلال، وكالعادة كنت واهمة واستمر زوجي في تجارته غير المشروعة.. ذات يوم فوجئت به يجلس مع ابننا البالغ من العمر وقتها 4 سنوات ويقدم له سيجارة ملفوفة بمخدر الحشيش، ويعلمه التدخين وهو في هذه السن.. دخلت معه في مشاجرة عنيفة كانت نتيجتها أنه لقنني علقة ساخنة.. بعد أيام قليلة من تلك الواقعة أعطى الطفل تذكرة هيروين وراح يعلمه كيفية تعاطيه ويصوره بتليفونه المحمول لنشر الصور على "فيس بوك"، افتخارًا بابنه!! وأيضا دخلت معه في شجار حاد وضربني للمرة الثانية، وأكد أن هذه حياته وتجارة المخدرات عمله الوحيد وسيورثها لـ"يوسف".

توقفت عزيزة عن الكلام للحظات بعد أن تهدج صوتها بالبكاء وأضافت: "يوم الحادث جاءني الطفل وفي يده تذكرة هيروين ويحاول استنشاقها أمامي.. غلى الدم في عروقي ونهرت الطفل وأخذت منه المخدر وضربته وحذرته من لمس هذه السموم مرة أخرى.. هنا دخل زوجي ونشبت بيننا مشاجرة جديدة.. في هذه المرة لم أشعر بنفسي إلا وأنا أمسك سكينا حادا وأوجه به 4 طعنات نافذة إلى صدره، سقط بعدها جثة هامدة وسط بركة من الدماء، وفي التحقيقات اعترفت بكل التفاصيل، فعاقبتني المحكمة بالسجن المؤبد، مر منها 4 سنوات وبقيت 21 سنة".


الغيرة القاتلة

على بعد خطوات من عزيزة، جلست زميلتها في عنبر "القاتلات" شيماء هي الأخرى على ماكينة خياطة وقد غطت وجهها بطرحة بيضاء.. في البداية رفضت الحديث نهائيًا عن حكايتها، ولكنها في النهاية سردت الرواية من البداية قائلة: "ليتني قتلت زوجي وتخلصت منه إلى الأبد، ولكنني انتقمت من عشيقته بقتل نجلها الصغير".

بدأت الدموع تنهمر من عينيها واستطردت: "عمري 24 سنة، تزوجت من شاب يدعى "عبد الله" وهو من جيراني في منطقة الوراق بالجيزة.. مرت سنة على الزواج ولم أنجب.. تحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق، ودأب زوجي على سبي وإهانتي على مرأى ومسمع من الجميع، أما أهله فقد عايروني كثيرًا بعدم الإنجاب ووصفوني بـ"القبيحة".. كل ذلك تقبلته وحاولت أن أتعايش معه حتى لا أعود لأهلي حاملة لقب مطلقة، إلا أنني لم أتقبل علاقة زوجي بأرملة شقيقه المتوفى حديثا".

شيماء أوضحت: "بعد وفاة شقيق زوجي المفاجئة إثر ماس كهربائي، لاحظت انجذاب زوجي لأرملته "ناهد" واعتاد الجلوس معها كثيرًا ويهتم بأخبارها ويحرص على قضاء حوائجها.. أدركت بحس المرأة أن هناك علاقة ما بينهما، وأنهما يخططان للزواج، خصوصا وأن ناهد ما زالت شابة وأنجبت طفلا هو "محمد" عمره 6 سنوات، كما أنهما يتحدثان تليفونيًا بالساعات.. شعرت بالغيرة الشديدة، وتملكتني رغبة قوية في الانتقام منها، قفز الشيطان إلى ذهني وزيّن لي فكرة حرق قلبها على ابنها الصغير بقتله.. اختمرت الفكرة في ذهني وعقدت العزم على التنفيذ، وبدأ أبحث عن طريقة أتخلص بها من الطفل وفي ذات الوقت لا يكتشف أحد أمري، وأخيرا قررت إغراقه في ترعة تمر بالقرية التي نقيم فيها.

يوم الحادث ارتديت ملابسي وادعيت أنني ذاهبة لزيارة أسرتي، ثم أقنعت "محمد" أثناء لهوه مع الأطفال بالذهاب معي.. في منطقة نائية تلفتُ يمينًا ويسارًا حتى تأكدت من عدم وجود أي شخص، وغافلت الطفل الصغير ودفعته بقوة إلى الترعة ووقفت على الشاطئ أراقبه حتى غرق، وواصلت طريقي إلى بيت أهلي وكأن شيئا لم يحدث".

لاحت ابتسامة فاترة على شفتي شيماء وهي تقول: "ظننت أنني سأفلت بجريمتي، ولكن القدر كان له رأي آخر، فقد سقطت بطاقتي الشخصية بالقرب من المكان الذي غرق فيه الطفل، وحتى الآن لا أعلم كيف سقطت مني، وبالطبع حامت الشبهات حولي وألقت الشرطة القبض عليّ واعترفت بجريمتي، وأصدرت المحكمة عليّ حكما بالسجن المؤبد.. ومن سخرية الأقدار، علمت بعد حبسي بأن زوجي تزوج من والدة الطفل القتيل ويعيشان معا في هدوء واستقرار، بينما أنا ضاعت حياتي إلى الأبد".

غدر وخيانة
أما حكاية غادة، فقد استحقت لقب "الأغرب" عن جدارة.. فالمرأة الأربعينية سهلت لخطيب ابنتها- حسب كلامها- قتل زوجها، نظرا لبخله وكي ترث أمواله الطائلة، غير أن شريكها خانها وألصق بها التهمة، بينما حصل هو على ممتلكات القتيل..

التفاصيل المثيرة ترويها "غادة" للمحقق قائلة: "عمري 48 سنة.. كنت متزوجة من رجل أعمال ثري يمتلك أموالا طائلة وعقارات متعددة، ولكنه كان بخيلا إلى أقصى درجة، ويرفض الإنفاق على الأسرة أو توفير حياة كريمة لنا تتناسب مع ثرائه الشديد.. تمنيت موته حتى تؤول تلك الثروة لأولادي ولي ونستمتع بها وانتظرت أن تقبض روحه على أحر من الجمر".. تضحك غادة ضحكة ساخرة قبل أن تستطرد: "طال انتظاري لموته ولم أعد أحتمل بخله وعقدت العزم على التخلص منه بالقتل وانتظرت الفرصة المناسبة.. تقدم شاب يدعى حسام لخطبة ابنتي الكبرى ووافقنا عليه.. مع الأيام لاحظت أن هذا الشاب يتقرب مني ويتودد إليّ، وأنا أيضا وثقت فيه واعتبرته ابنًا لي، وكشفت له عن مكنون صدري ورغبتي في التخلص من "حماه البخيل".

التقطت "غادة" أنفاسها وأكملت: "فوجئت بأن خطيب ابنتي لديه خطة بالفعل لقتل زوجي وبطريقة تبعد عنا أية شبهة.. وقال إننا سنقنعه بالذهاب في رحلة ترفيهية، ونخبره بأن باقي أفراد الأسرة سيلحقون بنا، ثم نقتاده إلى مكان بعيد ونطلق عليه الرصاص، ونتخلص من الجثة بدفنها.. صدقت كلامه وأقنعت زوجي بالذهاب في الرحلة، وبالفعل انطلقنا بالسيارة إلى منطقة نائية، ثم ادعى "حسام" تعطل السيارة وطالبنا بالنزول منها، وفور خروج "عزيز" من الباب أخرج خطيب ابنتي سلاحًا ناريًا وأطلق رصاصتين استقرتا في صدر زوجي وسقط قتيلًا في الحال.. ثم أخرج مجموعة من الأوراق وحصل على بصمة "عزيز" عليها.. بعد ذلك طلب من البقاء بجوار الجثة للحظات حتى يحفر قبرا في مكان مناسب وأعطاني المسدس المستخدم في الجريمة".

تعالت ضحكة "غادة" وهي تقول ساخرة: "أعطاني المسدس وخلع.. ركب العربية وهرب من مكان الجريمة.. وأنا قعدت ماسكة المسدس ومستنياه.. الناصح جري على الشرطة وبلغ عن جريمة القتل.. في دقايق لقيت الشرطة في كل مكان وطبعا محدش صدق حكايتي.. الجريمة لبستني.. جثة على الأرض ومسدس في أيدي.. يعني خلصانة خلصانة".. تجمدت الكلمات على لسانها وتحولت ضحكاتها إلى بكاء مرير وواصلت حديثها: "تم اقتيادي إلى قسم الشرطة وأحالتني النيابة إلى محكمة الجنايات التي عاقبتني بالسجن المؤبد، وكنت أتمنى أن يصدر حكم بإعدامي حتى أرتاح من عذاب الضمير".

جريمة ابنة
قبل أن يغادر المحقق ورشة الخياطة التي تعمل بها نزيلات عنبر القاتلات، لفتت نظره مسجونة هادئة تعمل على ماكينة الخياطة في صمت وبجوارها طفلها الصغير.. اقترب منها وسألها عن حكايتها وعن سبب دخولها السجن، فاجابت بثقة وثبات: "قتلت والدي ومحكوم عليّ بالمؤبد".. طلب منها المحقق الحديث بتفاصيل أكثر فقالت: "اسمي حنان وعمري 26 سنة من محافظة الشرقية.

قبل سنوات ارتبطت بعلاقة حب قوية مع شاب يدعى "محمود"، وعندما تقدم لخطبتي رفضه والدي وأصر على تزويجي من أحد أفراد العائلة، حتى لا تذهب أرضه الزراعية وممتلكاته لشخص غريب.. تحديته وتزوجت محمود على عكس رغبته.. ظننت أن الأيام كفيلة بتصفية الأجواء بيني وبين والدي، وأنه سيتقبل الأمر الواقع ويبارك زواجي، ولكنني كنت واهمة، فقد ازداد عناده وقرر حرماني من الميراث نهائيًا، وكتابة كل ممتلكاته لباقي أشقائي".

حنان أضافت أنها شعرت بغضب شديد وتملكتها وزوجها رغبة قوية في الانتقام ومنع والدها من كتابة ممتلكاته لأشقائها، وبعد تفكير طويل قررا قتله.. تقول السجينة: "وضعنا خطة تتمثل في الاستعانة بلص منازل، كى يسهل لى ولزوجي الدخول إلى منزل والدي بعد التأكد من وجوده بمفرده، وبالفعل نجحنا في الدخول، وانقضضت عليه مع زوجي وشللنا حركته، وانهلنا على رأسها ضربًا بـ "إيد هون" ولم نتركه إلا جثة هامدة وتركنا المكان وهربنا.. تم اكتشاف الجريمة وكثفت الأجهزة الأمنية تحرياتها، وتمكنت من كشف تفاصيل الجريمة وألقت القبض عليّ أنا وزوجي، وأصدرت المحكمة علينا حكما بالسجن المؤبد".

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية