في خفض سعر الفائدة.. اللهم بلغت اللهم فاشهد
بعد تحرير سعر الصرف وما استلزم ذلك من خفض سعر الجنيه بنسبة 40% تقريبا، وما تبع ذلك من إجراءات منها رفع سعر المحروقات، وما استتبع ذلك من ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة في منظومة إصلاح الاقتصاد المصري، اتخذ البنك المركزي عدة إجراءات من قبيل تقليل معدل التضخم، ورفع جزء من العبء عن كاهل بعض المواطنين، فأمر البنوك بإصدار الشهادات مرتفعة العائد (16% و20%)، التي وصلت حصيلة الاكتتاب فيها، في بنكي الأهلي ومصر نحو 842 مليار جنيه منذ تحرير سعر الصرف حتى الآن..
جذبت هذه الشهادات 231 مليار جنيه من خارج الجهاز المصرفي، ويتوقع بعض المصرفيين تراجع الفائدة على شهادة الـ20% أو إلغائها، على حسب تراجع معدلات التضخم، وكان البنك المركزي قال في بيان له، إن معدل التضخم السنوي الأساسي خلال شهر ديسمبر تراجع إلى 19.86% مقابل 25.54% في نوفمبر بعد ما وصل التضخم 33% قبل ذلك.
وقرار رفع معدل الفائدة له جوانبه الإيجابية التي ظهرت في الفترة السابقة، ومنها خفض السيولة المتاحة خارج الجهاز المصرفي فقل الطلب على السلع وتَوازنت أسعارها كما هو ملاحظ في اللحوم على سبيل المثال، ورفع الفائدة حقق فرق فائدة إيجابي لصالح المودعين فعوضهم عن الارتفاعات التضخمية الجديدة.
كما أن رفع الفائدة أدى إلى رفع تكلفة تمويل عمليات استيراد السلع غير الإستراتيجية، ورفع أسعار بيعها للمستهلك النهائي؛ فقل الطلب عليها، وقل استيرادها، وانخفضت فاتورة الاستيراد كما ظهر من إعلان البنك المركزي وقل الطلب على الدولار، وارتفاع الفائدة على الجنيه المصري عزز استمرار صفقات المبادلة الآجلة بين الجنيه والدولار التي تنفذها صناديق استثمار أجنبية، التي وفرت سيولة دولارية ساعدت على دعم الاحتياطي النقدي الحالي الذي تخطى 37 مليار دولار لحين نمو المصادر الذاتية.
ورفع الفائدة حسم الأمر نهائيًا دون رجعة لصالح الجنيه وأعلن انتهاء ظاهرة الدولرة والبدأ في عمليات دولرة عكسية نشطة، للتخلص من الدولار والتوجه إلى الجنيه المصري.
والارتفاع في أسعار الفائدة، قد أدى إلى استمرار البنوك التجارية، خاصة البنوك العامة، في الاحتفاظ أو تجديد شهادات أو وثائق الاستثمار ذات العائد المرتفع، وحدث استحداث أوعية ادخارية جديدة قصيرة الأجل لا تزيد على ثلاث أشهر قابلة للتجديد، كما قامت البنوك بخفض متدرج لأسعار الفائدة على الودائع بالنقد الأجنبي لتصبح مماثلة لأسعارها العالمية، بالإضافة إلى اهتمام وتوسع أكبر من قبل البنوك في تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بأسعار فائدة مبادرة المركزي.
كما أنه لسياسة رفع سعر الفائدة، تأثير إيجابي على الاتجاه الحالي لتحسين سعر صرف الجنيه المصري، فنظريا المفروض أن تتأثر البورصة سلبيا، لأن رفع الفائدة يزيد من حجم (العاطلين بالودائع) على حساب مستثمري البورصة، لكن للتداول في البورصة المصرية معايير أخرى ساعدتها على تجاهل أثر رفع سعر الفائدة.
ورغم هذه الإيجابيات إلا أن هناك سلبيات لرفع سعر الفائدة أو استمرارها بالمعدل الحالي، حيث إن ذلك أدى إلى ارتفاع تكلفة التمويل على المستثمرين ورجال الأعمال؛ مما أدى إلى بعض الانكماش الاقتصادي وتولدت ظاهرة الاقتصاد المركب يجمع ما بين الركود والتضخم، وهو ما يتطلب جهودًا صعبه للتنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية، وصولا إلى توازن اقتصادي معقول بين المؤشرات الاقتصادية الكلية من ناحية، وبين المتطلبات الاجتماعية ومظلات الحماية لأصحاب الدخل المحدود والمحدد ناحية أخرى.
كما أحدث رفع سعر الفائدة انتقاصا في أرباح البنوك، نتيجة ارتفاع فارق الفائدة المدفوعة للمودعين، كما أحدث ارتفاع أعباء الفائدة على بعض العملاء المدينين للبنوك الذي قد يؤدي إلى زيادة نسب مخاطر التعثر.
وعند النظر إلى الجوانب السلبية والإيجابية نجد أن رفع سعر الفائدة ووجود الشهادات مرتفعة العائد في الفترة السابقة أسهم بقوة وفاعلية في تجنيب طبقة كبيرة مخاطر ارتفاع الأسعار، وذلك أن عددا كبيرا من المودعين في هذه الشهادة هم من أرباب المعاشات، أو من يدخر مبلغا يعتمد عليه في تصريف شئون حياته، أو أرملة مسئولة عن أبنائها وأموال أبيهم، أو بعض أرباب المهن البسيطة، فكل هؤلاء وأمثالهم مع ارتفاع الأسعار بصورة ضخمة كان العائد يضمن لهم إلى حد كبير موازنة في هذه الحياة الصعبة..
وبالتالي استطاع مثل هؤلاء أن يواجهوا القرارات السوداء التي اتخذها البنك المركزي ومنها بالقطع رفع أسعار الطاقة، وتحرير سعر الصرف، ولولا ذلك العائد الذي ساند هؤلاء لكانت ستحدث مشكلة حقيقية، وعندما يفكر البنك المركزي في خفض سعر الفائدة في هذا التوقيت دون أن يتحسن دخل مثل هؤلاء، أو تنخفض الأسعار ستظهر أزمة حقيقية، حيث لن يستطيع هؤلاء مواجهة أعباء الحياة وهم طبقة وشريحة كبيرة جدا..
ووقتها سنجد الشكوى الحقيقة من ارتفاع الأسعار تتحول إلى كارثة وخروج فوري لهؤلاء في الشارع نظرا لعدم قدرتهم على تحمل ذلك، فيجب النظر بعين الرعاية لهؤلاء وليس لكبار المستثمرين في البورصة وغيرها، وإلا ستواجه البلاد مأزقا حقيقيا في ظل تفكير الحكومة في رفع سعر الطاقة مرة ثانية وبالتالي ارتفاع الأسعار.