اختفاء 4 أدوية يهدد مليون مريض بـ«الشلل الرعاش»
شخص من بين كل 100 مواطن ممن تزيد أعمارهم على 60 عامًا، يُصاب بمرض "باركنسون"، المعروف شعبيًّا بـ"الشلل الرعاش"، يجعل المريض عاجزًا عن الحركة بمفرده، يهتز دائمًا، حركته أصعب، وخطواته قصيرة، تصدر منه حركات لا إرادية بعضلات اليد كأنه يُسبِّح على يده، أو حركة الفك، كأنه يمضغ طعامًا، ومع الوقت يؤثر المرض في الكلام والحركة، إضافة إلى أعراض غير حركية، منها هبوط ضغط الدم عند الوقوف واضطرابات النوم، وقلة القدرات المعرفية في المراحل المتقدمة من المرض.
وتختفي الرعشة أثناء استخدام العضلة، وإذا نام المريض تختفي الحركة اللاإرادية، والمصابون بالمرض لديهم وجه غير معبر، جامد وخالٍ من التعبيرات، وأغلب أسبابه ترجع إلى الشيخوخة أو مرض تصلب الشرايين، والمدخنين ومرضى السكري، مع تقدم العمر أو مثلما حدث مع محمد على كلاي نتيجة تعرض رأسه أثناء الملاكمة لإصابات أثَّرت في خلايا المخ.
قصة «أم خالد»، البالغة من العمر 74 عامًا، وتعيش في الإسكندرية، مع هذا المرض مأساة حقيقية، حيث تقول لـ"فيتو" إنها فجأة وبدون مقدمات أصبحت لا تستطيع أن تمسك بـ"ملعقة الطعام" إلا أنها تجاهلت الأمر ومع ازدياد ضغوط الحياة وتكالب الهموم، أضحت تجد صعوبة بالغة في الحركة، فما كان أمامها إلا استشارة الأطباء.
بعد عناء مرير ومعاناة البحث عن الأطباء، أخبروها أنها مريضة بـ"الشلل الرعاش"، نتيجة الضغط العصبي المستمر والتوتر والقلق وبعض الاضطرابات النفسية وكان ذلك منذ 10 سنوات.
ويأسًا من الحياة، وفي محاولة البحث عن بصيص من الأمل أخذت تتناول الكثير من الأدوية لعلاج مرضها، ومن هذه الأدوية "السيفرول" الذي تبلغ تكلفة العبوة منه 150 جنيهًا، وبها 30 قرصًا، ويجعل الجسم خفيفًا متزنًا لا يتمايل.
أخبرها أحد الأطباء أن علاجها فيما يسمى "السيمنت"، وبغيره لن يتم شفاؤها أو على أقل تقدير لن تستطيع أن تتعايش مع مرضها، ذهبت تبحث عنه وأخذت تسأل كل من تعرفه عن مكان يتوفر به ذلك الدواء، إلا أنه خاب أملها ولم تعثر عليه، حيث إنه من ضمن الأدوية التي تشهد أزمات كل عام أو عامين، ويختفي من الصيدليات فجأة.
ولأنها سيدة تؤمن أن ما حدث لها قضاء وقدر من الله، فنصحها أحدهم بأن تذهب للعلاج في التأمين الصحي، وبالفعل ذهبت وأخذت موعدًا بعد 15 يومًا، وبالفعل كشف عليها الطبيب وبدون أي يلفظ بكلمة أخذ يكتب "الروشتة" وقلب "أم خالد" ينبض بكل أمل، فكتب الطبيب عقار "الليفوكار"، ولم تجد سوى 20 عبوة فقط، ومسموح بصرف عبوة واحدة لكل مريض، وبكل أسف لن تكفي، إلا أن الأمل ما زال يلوح في الأفق.
نصحها الصيدلي باستخدام عقار آخر وهو "شاتو" وسعر العبوة 27 جنيهًا وبها 7 أقراص، ويتم تقسيم القرص لنصفين لجرعته المرتفعة، خاصة أنه مع الجرعة الزائدة تحدث تشنجات في الجسم مع قلة النوم.
يذكر أنه في حالة وجود أزمة في توفير عقار "السينمت" يلجأ المرضى للبدائل، ومنها "الليفوكار" و"ليفودوبا" إلا أن أغلب المرضى لم يرتاحوا عليه، ومنذ شهر سبتمبر الماضي أصبح الدواء يتوفر بصعوبة.
وبحسب الدكتور أحمد كامل، أستاذ المخ والأعصاب بكلية طب قصر العيني، فإن أغلب الإصابات تكون في عمر 60 عامًا فأكثر، ويأتي المرض نتيجة نقص الموصلات الكيميائية؛ نتيجة ضمور خلايا المخ التي تنتهجها، وحاليًا تظهر إصابات لمن هم في عمر أصغر من 50 عامًا مثلما حدث مع الملاكم محمد على كلاي، وهي تمثل 15% من الحالات، و85% فوق عمر 60 سنة.
وأرجع كامل المرض إلى نقص الموصلات الكيميائية في المخ، تبدأ العضلات التي لها معامل انقباض وانبساط وقت الاسترخاء والحركة، إما أن يحدث لها تيبس أو ضعف.
وتابع: الأدوية المخصصة لعلاج "باركنسون" تزيد من الموصلات الكيميائية في المخ، حيث تساعد على قلة الحركة اللاإرادية، وزيادة عنصر "الدوبامين" بالمخ، وتخفض الأعراض، لافتًا إلى وجود نحو مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية مصابا بالمرض من إجمالي 350 مليون نسمة بها، وفي مصر تبلغ نسب الإصابات 1 من بين كل 100 مواطن يصاب بالمرض، أي مليون شخص تقريبًا، 15% منهم 50 سنة، و85% زيادة على 60 سنة، وأغلب المرضى عندما يستقرون و"يرتاحون" على عقار لا ينصح بتغييره لاعتياد المخ عليه.
الأدوية المخصصة لمرضى الشلل الرعاش تؤخذ مدى الحياة وتساعد في خفض الأعراض المصاحبة للمرض، إلا أنها في الأيام الأخيرة شهدت نقصًا حادًّا من السوق؛ الأمر الذي أثَّر في المرضى سلبًا لضرورة الحصول عليها، ومعظمها أصبح يباع في السوق السوداء، وارتفع سعر العبوة من 24 جنيهًا، إلى 180 جنيهًا للعبوة بأعداد محدودة، ولجأ المرضى للحصول عليه من خارج مصر، وسوف تستمر تلك الأزمة لأول مارس المقبل، حسبما أعلنت وزارة الصحة لحين توفر المادة الخام المستخدمة في إنتاج الدواء.
وبحسب الدكتور على شلش، أستاذ الأعصاب بطب عين شمس، تعمل الأدوية على تعويض نقص الدوبامين الذي يفرز في المخ، ومؤخرًا جميع الأدوية أصبحت غير متوفرة من خلال شكاوى المرضى، سواء للمستورد أو المحلي، والشلل الرعاش مرض مزمن يحصل المريض على العلاج مدى الحياة، وتتدهور الحالة في حالة عدم تناول العلاج بجرعات منتظمة لقلة تأثيره في الدم.
العلاج لا يقتصر على الدواء فقط، بل توجد جراحة متطورة باهظة الثمن تصل تكلفتها إلى 800 ألف جنيه لمواجهة الشلل الرعاش تجرى في جامعة عين شمس على نطاق قليل لتحفيز المخ، وإذا لم يحصل المريض على الدواء يتسبب ذلك في إعاقة كاملة له، ولا يمكن حدوث شفاء كامل منه، ولكن تحسن الأعراض فقط، وربما التوتر والعصبية والقلق الزائد تعد من عوامل الإصابة.