رئيس التحرير
عصام كامل

هشام أبو المكارم لـ«فيتو».. «أيامنا الأكثر براءة» رصد لمصر ما قبل التكنولوجيا ونافذة للأجيال الجديدة.. الطرافة واللغة الساخرة مميزات الكتاب.. و«أوراق» تقدم 18 إصدارا في م

الكاتب الصحفى هشام
الكاتب الصحفى هشام ابو المكارم

عن أيامه الأكثر براءة بدأ الحديث، الرجل الذي وصل إلى مشارف الخمسين يتذكر مصر قبل التكنولوجيا، ما حدث ليس جزءا منه بل جزءا من تاريخ المحروسة حولها على الورق بكتابة تبدو شديدة التبسيط لكنها في الحقيقة شديدة التعقيد، أو كما يصفها هو بـ«تقليب المواجع».


ما بين الصحافة والأدب والنشر تحدث الكاتب والسيناريست والناشر هشام أبو المكارم لـ«فيتو»، عن كتابه الجديد الذي أصر أن يجعله بلسان طفل يطرح ولا يحلل، يقول ولا يفسر، يرمى في عقل من سيقرأ التساؤلات ويجلس هو مستمتعا بنظرته الساخرة لما حدث في مصر وما أحدثته التكنولوجيا في العصر الحديث، كما يجول بنا «أبو المكارم» إلى الصحافة التي أصر أنها حياته التي ينتمي إليها أولًا وأخيرًا.

الأمر بدأ صدفة، هكذا يقول «أبو المكارم» الذي جاءته فكرة الكتاب حين كتب أكثر من منشور على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» عن ذكريات ومواقف طريفة في مصر ما قبل التكنولوجيا، ليُفاجأ بتفاعل كبير من المتابعين لها ما جعله يفكر في مخزونه الفكري من تلك الحكايات والمواقف التي جعلته يقرر أن يُخرج لنا «كلام عيال.. عن أيامنا الأكثر براءة».

ويضيف «السيناريست» الكبير، أن الفكرة لا تتعلق بذكريات ومواقف شخصية، لكن يمكن القول إنها صورة مصر في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، بعيون طفل ينظر للأمور ببراءة، تلك الفترة التي سبقت السوشيال ميديا وثورة الاتصالات بل وسبقت ظهور التليفزيون أيضًا.

يكمل أن «كلام عيال» يشرح كيف كان الأطفال والكبار يقضون يومهم مع الإذاعة، ما الخرافات التي كانت تسيطر على «أدمغة» الخلق، كبارا وصغارا، والخروج على تلك الخرافات جريمة، هي كالعقيدة لا يمكن كسرها.

التعليم والحب
يتضمن الكتاب أيضًا جزءا خاصا بالتعليم، كيف كان قبل ظهور المدارس الخاصة وانتشار مراكز الدروس الخصوصية وتعامل المعلم «أيام أن كاد أن يكون رسولًا» ووسائل رعاية مواهب الطلبة وكشف إبداعاتهم، مضيفًا أن مقارنة الماضي بالحاضر تكشف مدى الفجوة التي حدثت.

التفاصيل الصغيرة التي تحكي التحول المجتمعي همه في الكتابة، لذلك يوضح «أبو المكارم» أن كتابه اشتمل أيضًا علاقة الأولاد بالبنات خلال فترة المراهقة، كيف كان شكلها وطريقة التعامل وقت أن كان الحديث يتطلب الاعتراف مباشرة أو من خلال الجوابات، لم يكن هناك «فيس أو واتس أو موبايل»، وقتها كان يمكن أن تُبنى قصة حب من خلال نظرة فقط.

الثقافة أيضًا حاضرة في «كلام عيال.. عن أيامنا الأكثر براءة»، ما مصادر ثقافة الأطفال، يشرح الكاتب الكبير أن في تلك الفترة كان هناك سلاسل قصص وبرامج أطفال شهيرة جدا مثل «أبلة فضيلة - ماجد عبد الرازق»، والأخيرة من جيل رواد برامج الأطفال كما يوضح «أبو المكارم».

ويقول هشام أبو المكارم إن كل تلك التفاصيل لو كُتبت بقلم كاتب عادي عن ذكرياته لن يكون لها نفس الطعم حين تُكتب بطريقة طفل يحكي بسذاجته ما يراه دون تعليقات، فالكتاب كتابة طفل ذي حس ساخر لمواقف فيها طرافة، لكن المشكلة أن تلك الكتابة لن تُبهر الكبار، ربما سيتذوقونها فقط لكن الجيل الجديد هو السؤال الأكثر صعوبة لصاحب «كلام عيال».

وعن تلك الإشكالية يوضح أنه أعطى لأولاده الذين يدرسون في الجامعة بعض فصول الكتاب أثناء الكتابة، مضيفًا أن مشكلة الجيل الحالي أنه اعتاد أن الكتابة الساخرة هي العامية المليئة بـ«الإفيهات والألش»، وحين أطلع أولاده على كتابة المكتوب بلغة عربية فصحى ضحكوا، لأن المواقف ساخرة ولأنهم فوجئوا بأشياء لم يعرفوها ما أعطاه الطمأنينة، فمثل تلك الكتابة هي نافذة ضوء لمعرفة ما يجهله الأجيال الجديدة عن مصر القديمة وليدركوا أن الأدب الساخر لا علاقة له بالعامية بل أن عمالقة الأدب الساخر كتبوا بالفصحى في نهاية الأمر.

مصر زمان
ومن الكتاب إلى المحروسة، يرى هشام أبو المكارم أن مصر زمان كانت أكثر فقرًا وأكثر براءة أيضًا، فيقول إن التكنولوجيا كما تملك من إيجابيات فإن لها ايضًا سلبيات وأبرزها تغيير حدود الفقر، فبالأمس كان الهاتف المحمول ترف أما الآن ضرورة وهكذا زادت أعباء المواطن خاصة في مجتمع استهلاكي مثل مصر.

الأمر لا يقتصر عند هذا الحد، يستطرد السيناريست الكبير أن الأخلاق أيضًا تراجعت، حب الناس قديمًا كان أكبر، لافتًا إلى أن تلك القيم بدأت خلخلتها في منتصف سبعينات القرن الماضي وتحديدًا فترة الانفتاح الاقتصادي، قائلًا «وأنا في ثانوي مكنش فيه حاجة اسمها حجاب وكان امهاتنا بيلبسوها نوع من الحشمة ومكنش فيه المد الخليجي والإخواني، مكنش فيه المدارس الإسلامية لغاية أواخر الثمانينات، كانت الدولة في الستينيات لا تدعم الفروق الاجتماعية لدرجة تجعل أحد يحقد على آخر حتى ظهرت موضة الأجهزة والسيارات».

قلة الكتابة من هذا النوع يفسره هشام أبو المكارم أن الكاتب لا يمتلك الشجاعة الكافية؛ لأن يتكلم بصراحة، والصدق هو المعيار الذي يرجح كفة كتاب عن آخر، موضحًا أن الأمر يزداد صعوبة إذ كان الحديث عن السياسة، فثقافة الاعتراف موجودة في الخارج لكن هنا أمر غير موجود.


الصحافة المظلومة
ومن الأدب إلى الصحافة، يقول الرجل الذي قضى أكثر من نصف عمره في بلاط صاحبة الجلالة، إنه صحفي اولًا واخيرًا، لكن الظروف الصحية في السنوات الأخيرة منعته من الجمع بين الصحافة والنشر والكتابة، ويقول «كنت في فترة بعمل ده بمنتهى السهولة لكن فوجئت أنه جهد مش قادر أعمله ولغاني من الكتابة نهائي».

ويضيف هشام أبو المكارم، أن الصحافة مظلومة في السنوات الأخيرة، فالمجتمع لا يعرف ما وراء الحدث ولا التفاصيل التي تدور في مطابخ الصحف والمؤسسات العالمية، هو يتعامل مع المادة كمنتج لذلك سنجد أن الاتهامات الموجهة للصحافة أنها توافق السلطة ومتشابهة في التوجهات وأنها تحولت من صوت المواطن لصوت النظام السياسي.

ويتابع «ولأني ابن المهنة عارف أن ده بيحصل غصب عن الصحف وأبناء المهنة، وعموم الصحفيين غير راضين عن الوضع الصحفي، فالصحافة تمر بأسوأ عصورها وهي أسيرة وده حصل مش نتيجة الصحفيين ولا المؤسسات ولكن بسبب غياب الحرية».

دور النشر
مشكلات دور النشر حاضرة أيضًا عند صاحب دار أوراق للنشر، والذي يوضح المعاناة بقوله إن تحرير سعر الصرف سبب معاناة لجميع الناشرين بداية من زيادة أسعار الخامات التي ارتفعت للضعفين مثل الأحبار، أو أجر المطابع التي زادت بنسبة 300 %، وهو ما وضع الناشر بين اختيارين إما رفع سعر السلع مثل أي منتج وهذا سيؤثر سلبًا على حركة البيع خاصة أن المصريين يعدون الكتاب من السلع الترفيهية وبالتالي مع زيادة أعباء الحياة تراجعت القوة الشرائية.

خطر آخر يحيط بدور النشر وهو «مافيا تزوير الكتب»، ويقول هشام أبو المكارم، فبمجرد أن يتم بيع كتاب بشكل جيد يتم «ضربه» وبيعه على الأرصفة بأسعار زهيدة، ورغم المنظومة القانونية التي تحمي دور النشر لكن الأمر لا يسير على هذا النحو، فشرطة المصنفات تتابع المطابع فقط لكن البائعين لا يمسهم أحد من منطق أنهم «غلابة»، مضيفًا «رغم حرصي عليه كمواطن عاوز لقمة عيش لكن ده بيضربني بمخالفة القانون وبيأثر على الناشر اللي بيطلع الكتاب بفلوس معينة ويبقى أرخص على الأرصفة».

تحرير سعر الصرف لم يؤثر فقط داخل مصر، فيقول هشام أبو المكارم: «إن الأمر شمل المعارض الخارجية التي كانت تمثل نافذة جيدة للناشرين المصريين؛ لأنهم يستفيدون من فرق العملة، لكن بعد «التعويم» بات حجز المعارض بالدولار وما تبعه من زيادة أسعار تذاكر الطيران وإقامة مندوبي دور النشر، وكانت النتيجة هي العرض في المعارض المعروفة فقط بالقوة الشرائية الكبيرة وهذا التحجيم أيضًا أثر على حركة النشر».

معرض الكتاب
أما عن معرض الكتاب يقول هشام أبو المكارم: «إن الإصدارات مبشرة جدا هذا العام، حتى دور النشر التي تطبع من أجل المال فقط صححت أوضاعها لكن الخوف من إقبال الناس في تلك الظروف».

وأضاف: «أن الثقافة مسئولية دولة في الأساس، والدعم الذي تقدمه الدولة ظاهري، فصحيح هناك سلاسل ثقافية وهيئة رسمية للكتاب متوفر لها منافذ بيع في كل الأماكن ومعدات طباعة بسعر أرخص من غيرها لكن ما تطبعه من كتب لا يتم بيعها ولا يتم التسويق لها جيدًا، ناهيك عن بعض المجاملات في إصدارات لا تصلح».

وعن إصدارات دار أوراق، يقول هشام أبو المكارم: «إن هناك 18 إصدارا للدار خلال المعرض، لكتاب مصريين وعرب، أما أبرز الكتب لكتاب مصريين هي: «خمورجي يروي التاريخ لمحمود عبدالدايم - مدرس على ما تفرج لأيمن عبد التواب - مساكن أهل الهوى لمحمد رضا عدوي - مالم تحكيه الروايات لسماح هشام»، كما تشمل كتاب: «تحليل النفس.. أجب بكل صراحة للدكتورة هند المنياوي»، وكتاب آخر عن الإسلام السياسي بعنوان «الذين سرقوا الإسلام للدكتور والمتخصص في ملف الإسلام السياسي محمد الملاح».

أما عن الإصدارات للكتاب العرب تشارك الدار بروايتين للكاتب السوداني عبدالعزيز بركة ساكن.
الجريدة الرسمية