رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نجحت نهضة تونس وفشلت إخوان مصر بعد 7 سنوات من الربيع العربي؟.. تخلصت من تركة البنا وقطب.. انفتحت على المجتمع وتجاوزت الاستقطاب «الإسلامي العلماني»..نادت بالمشاركة ولم يتقدم أحد منها لم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

7 سنوات مرت على ثورات الربيع العربي، ولا تزال تجربة الإسلاميين في الوصول للحكم، محل بحث دائم، وخاصة مصر وتونس، ففي الوقت الذي فشلت جماعة الإخوان، التي خرجت من التجربة مصنفة "إرهابية"، وتوارت عن المشهد السياسي هي وحلفاؤها، نجح إسلاميون في تونس، رغم التحديات التي تواجه تجربة التحول الديمقراطي هناك حتى الآن، مما يطرح السؤال في كل مناسبة: لماذا نجحت حركة النهضة في تونس، وفشل الإخوان في مصر؟


فروق جوهرية
أي متابع للحركة الإسلامية، سيجد خلافا جوهريا، بين إخوان مصر، وحركة النهضة في تونس، الأولى حركة دينية تتمسك بحرفية رسائل مؤسسها الأول حسن البنا، ومجموعة المؤلفات التي قدمها سيد قطب، وظلت تعتبرهما مرجعية لها، مما جعلها غير قادرة على تجاوز الماضي بكل إشكالياته، وكأن حركة الزمن توقفت عند البنا وقطب.

بينما تركت "نهضة تونس" تلك النصوص، لدرجة أنها تخلت عن اسم الجماعة الإسلامية، الذي كانت تحمله حتى ثمانينات القرن الماضي، ثم تحولت إلى حركة الاتجاه الإسلامي طوال الثمانينات، وبنهاية هذا العقد، ومع فهمها لما يحدث من تحولات على أرض الواقع، تحولت إلى اسم جديد صاحبها حتى الآن وهو "حركة النهضة".

الممارسة السياسية لكل من إخوان مصر وتونس، انعكست على فهمها العقائدي، فتقوقع الأولى عند تعاليم البنا وقطب، أطاح بها خارج الحياة السياسية، بينما بحركة بقيت النهضة، واستطاعت أن تستمر مكونا أساسيا من مكونات السلطة، سواء في الحكم بمشاركة آخرين، في فترة الترويكا، أو أن تكون جزءا من الائتلاف الحاكم للبلاد مع حزب نداء تونس العلماني، وهو ما يعني القدرة على تجاوز الاستقطاب الإسلامي– العلماني؛ لتحقيق مصلحة البلاد، بينما لا تزال جماعة الإخوان الأم، تحاول الانتقام من المكون الليبرالي في مصر بأكمله، وكأنه أصل أزماتها.

السمع والطاعة والبيعة
تنظر جماعة إخوان مصر لنفسها، باعتبارها جماعة المسلمين؛ هي الجماعة الحاملة للحق، والمقصودة بحديث النبي: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» لذا فرضت على أتباعها تقديم الولاء والبيعة، حسبما قضت تعاليم البنا وقطب، ونقل عنهما القيادي التاريخي بالجماعة سعيد حوى.

وهو الأمر الذي اختلف معه راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، وأكد أن ما تفعله الجماعة في مصر «تدين سلفي» ذا طابع منغلق، سيحول دون القدرة على التفاعل مع عناصر الواقع المتغيرة، كما يحول دون التأمل والنظر في تجربة وخبرة الحركة من منظور نقدي.

وأكد «الغنوشي» في كتابه «حركة الاتجاه الإسلامي في تونس»، أنه توقف متحيرا متسائلا باحثا عن نفسه، حتى اكتشفها على مراحل، ويتمثل هذا التدين في النقد الجذري للإخوان، لدرجة أنه اعتبرها أكبر عائق في طريق النهوض الإسلامي، واعتماد الفهم المقاصدي للإسلام.

أعاد الغنوشي في مراجعاته، الاعتبار للغرب والفكر اليساري، ورفض اعتماد المعايير الإخوانية، ذات الطابع العقدي في تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر، ورأى أن التقسيم يجب أن يكون على أسس سياسية واجتماعية، بجانب إعادة الاعتبار للمدرسة الإصلاحية في تونس "مدرسة خير الدين التونسي، والطاهر الحداد"، كما تولى الدفاع عن المنهج الاعتزالي في التعامل مع الإسلام، وتيارات المعارضة في التاريخ الإسلامي المناوئة للسلفية والسنية.

تركة البنا وقطب
أسس البنا التنظيم الخاص عام 1940، وأصبحت الجماعة ذات تكوين مزدوج، واحد علني، وآخر سري، لا يعرفه سوى مؤسس الجماعة، وأدت هذه التناقضات إلى الاندفاع نحو تبني عمليات عنف ضد القاضي الخازندار، بالإضافة لعمليات عنف أخرى ضد مصالح اليهود والإنجليز، وهو ما قاد في النهاية إلى حل الجماعة عام 1948، فزادت الإخوان سعارًا في العنف، وقتلت رئيس الوزراء المصري، محمود فهمي النقراشي؛ عقابا له على حل الجماعة، فردت الدولة بقتل حسن البنا عام 1949.

وفي الوقت الذي انتقلت تقاليد السرية والازدواجية في كل مراحل صعود تنظيم إخوان مصر، وقبول الجماعة لتوظيف سياسي رخيص في مواجهة التيارات اليسارية المناوئة لنظام حكم السادات، انفتحت حركة النهضة على مصادر متعددة كان من بينها "على شريعتي"، و"محمد باقر الصدر" و"مالك بن نبي" و"حسن الترابي"، وتخلصت الحركة بمرور الوقت من الطابع السري، وقدمت نفسها كحركة علنية، رغم أن النهضة لم يكن لها تقاليد متجذرة في العمل السري وممارسة العنف، كما هو الحال بالنسبة لإخوان مصر.

الانفتاح على المجتمع
اعتمدت النهضة خطاب حركة واضحا، بشأن موقفها من السرية والعنف، وكان هناك جدال فكري حقيقي حول تلمس طرق أكثر انفتاحا على المجتمع وعلى قواه الاجتماعية والسياسية المختلفة، بعيدا عن أفكار العزلة الشعورية وتجهيل المجتمع والتأسيس للتنظيم السري، باعتباره أداة الحركة للتمكين في المستقبل.

كان لراشد الغنوشي اجتهادات فكرية مهمة داخل الحالة الإسلامية، بجانب رصيده الفكري الذي مثل تطورا داخل الفكر السياسي للحركات الإسلامية، بجانب رموز الحركة مثل عبد الفتاح مورو، وصالح كركر، وغيرهم، وهذا جعل قيادات النهضة يدركون أن السياسة هي فن العمل في حدود الممكن.

تفننت إخوان مصر في تفويت الفرص تلو الأخرى؛ للخروج من أزمة عزل مرسي، مما عطل في النهاية التجربة الديمقراطية برمتها في مصر، في نفس الوقت الذي كان لإخوان تونس موقف مميز، ونادوا بالمشاركة وليس المغالبة، ولم يتقدموا من الأساس لمنصب الرئيس، رغم أنه كان يمكنهم التقدم للمنصب، مما جعلت النهضة في مكان بعيد عن الإخوان الأم، التي لاتزال على عنادها، تلعن الأخضر واليابس، وتحمل الكبير والصغير مسئولية عزلها عن الحكم، الأمر الذي يجعل خروجها من الجحيم، الذي وضعت نفسها رفاهية تجاوزها الوقت والزمن.
الجريدة الرسمية