رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور صقر عاشور خبير مكافحة الفساد: تحريات الرقابة عن المرشحين للمناصب «حبر على ورق»

فيتو

  • وزارتا التعليم والتعليم العالي عائمتان على فساد متفشي ومتأصل وتحول لثقافة 
  • أطالب بتطبيق منظومة رقابة شاملة وتأسيس أكاديمية قيادات عليا
  • لا توجد معايير واضحة لاختيار المسئولين في مصر
  • ينبغي توفير قاعدة بيانات عن القيادات في كل المواقع وتحديثها باستمرار
  • دراسة الخبرات السابقة والإنجازات المعيار الأفضل لاختيار قيادي
  • نجحت دول في تحجيم الفساد بتبني إستراتيجية الوقاية والمنع

يرى "أحمد صقر عاشور" أستاذ الإدارة في جامعة الإسكندرية والخبير الدولي للحوكمة الإصلاح المؤسسي ومكافحة الفساد، أن نظم اختيار المسئولين في مصر تعاني قصورا، وبحاجة إلى منظومة رقابية شاملة تقوم على إستراتيجية الوقاية والمنع، مشيرا إلى أن المؤسسات الحكومية عائمة على برك فساد، ولا يوجد أي جهاز رقابي في العالم يستطيع مواجهتها بمفرده.

*كيف تنظر لسياسة اختيار المسئولين في مصر؟
لا توجد قاعدة عامة أو معايير أساسية يتم اختيار المسئولين في مصر بناءً عليها، هذا المجال يعاني قصورا شديدا ويحتاج لإعادة النظر، الدولة بالفعل تسير في طريق إصلاحه إلا أن إيقاع الإصلاح بطيء جدا، ففي رأيي أن التعديل الوزاري الأخير موفق بشكل كبير، لكني أتطلع إلى إعادة هيكلة الحكومة ككل، بدمج الوزارات التي تعمل في مجالات متشابهة، خاصة أن وجود عدد كبير من الوزارت يشكل عبئا في التنسيق، كما أتمنى الإعلان عن الأهداف التي يتم على أساسها اختيار المسئولين.

*ما رؤيتك التحليلية لقضية رشوة محافظ المنوفية وما سبقها من قضايا تخص رشاوي الكبار؟
لا شك أن الكشف عن جريمة أو واقعة مثل هذه، مؤشر إيجابي يوضح أن لا أحد أكبر من الرقابة والمساءلة القانونية، كما أنها تؤكد إيجابية الدولة في التعامل مع الفساد والجدية في نظام الرقابة، لكن على الجانب الآخر تكشف أيضا عن القصور في اختيار مسئولي المناصب القيادية.

*ما رأيك في منظومة الرقابة على كبار المسئولين؟
الرقابة الإدارية تبذل مجهودا كبيرا في مكافحة الفساد، لكن منظومة التصدي للفساد بحاجة للتعديل، وتحويلها من مجرد كشف وملاحقة وضبط الجرائم إلى تنفيذ إستراتيجية المنع والوقاية، تقوم تلك الإستراتيجية على معرفة العوامل المؤدية للفساد، والظروف المهيئة لانتشاره، وكذلك منابعه الأساسية لسدها وغلقها نهائيا، سواء على مستوى الحكومة المركزية أو المحليات.

المشكلة الحقيقية أن الجهاز الحكومي مشبع بالفساد، والقبض على شخص فاسد واحد في قطاعات مختلف بين حين والآخر غير كافِ، فالفساد في أي منظمة حكومية الآن أكبر من أي جهاز رقابي، لذلك نحن بحاجة لعمل منظومة رقابة شاملة قائمة على سد ثغرات الفساد، فقد نجحت دول كثيرة في تحجيم وتقليل الفساد من خلال تبني إستراتيجية الوقاية.
تتعلق تلك الإستراتيجية بطبيعة العمل ونظم الرقابة الإدارية داخل المؤسسة الواحدة وثغرات تلك الرقابة، وكذلك الأجور والرواتب، حيث إن ضعف الأجور في الوظائف الحكومية يزيد معدلات الفساد.

*ما أكثر القطاعات فسادا من وجهة نظرك؟
وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي، كلاهما عائمان على فساد متفشي ومتأصل لما بعد الوزير، حيث تحول الفساد فيهما لثقافة وعرف طبيعي، لم يستطع أي وزير إصلاحه بمفرده، لكن بمجموعة من الإجراءات الحاسمة لهيكلة نظم التعليم كلها، وتطبيق إستراتيجية الوقاية والمنع، التي سيتم من خلالها التعرف على سبب الفساد، إن كان المناهج التعليمية أم ضعف مرتبات العاملين، تلك الإجراءات تحتاج لرؤية شاملة ووقت كافي وتناول القضية من جذورها.

*كيف يكون الاختيار الأمثل للمسئولين؟ 
بدراسة الخبرات السابقة لكل مسئول والتعرف على إنجازاته، التأكد من قدرته على القيادة، فليس من الضروري أن يكون المحافظ من أبناء المحافظة، أو أن يكون الوزير من نفس أعضاء المجال الذي يترأسه أو على دراية بالمجال الفني للمهنة، فمن الممكن على سبيل المثال أن يكون وزير الصحة غير الطبيب، لأن المنصب سياسي يقوم أساسا على قدرة المسئول على الإدارة والقيادة، فلا يصلح منصب الوزير مثلا لأصحاب النزعة الانطوائية، لكن إذا توافر في شخص الخبرة الفنية بالمجال والقيادة السياسية فتلك الأفضلية.

*ما الجهات التي تجري تحريات عن كبار المسئولين في الدولة، ومدى صحة تلك التحريات؟
التحريات رغم ضرورتها الفائقة، إلا أنها مجرد حبر على ورق في مصر، فالتحريات المثالية لا بد من التركيز خلالها على الإنجازات السابقة للمرشحين لتولي تلك المواقع وتاريخهم على أرض الواقع في العمل السياسي، والقدرة على إدارة الرؤى الموضوعة لبرامج التنمية، كما ينبغي توفير قاعدة بيانات عن القيادات في كل المواقع سواء في القطاع الخاص أو العام، وتحديثها باستمرار.

*ما مقترحاتك لتفادي اختيار مسئولين فاسدين؟
أولا: تأسيس مجلس تحديد أهداف الحكومة وكل قطاعاتها، بناءً على دراسات لاحتياجات الجماهير وما تسعي الوزارات لتنفيذه خلال فترة زمنية معينة، وكذلك متطلبات كل وزارة ثم وضع الخطة وكيفية تنفيذها، ومن ثم اختيار المسئولين القياديين الذين يستطيعون إدارة وتنفيذ تلك الخطة.

فعلى سبيل المثال لا بد من ترجمة خطة 2030 لبرامج عمل وسياسات قابلة للتطبيق، وبناءً عليه يتم اختيار الأفراد ذو القدرات القيادية لتنفيذ تلك الخطط، وبالتالي مهما اختلف الأفراد لم تختلف السياسة أو الرؤية أو الإستراتيجية، ومن هنا نتفادى أن يأتي وزير جديد يهدم ما بناه سابقه ويبدأ من جديد، كما أنها تقلل معدلات الفساد لا بد كل شيء سيكون مكشوفا للجميع.

ثانيا: إتاحة كافة المعلومات الخاصة بعمل الحكومة للجماهير، والبعد عن السرية في العمل، فالقاعدة العامة تقول إن الإعلان عن الشيء يقلل نسب الفساد فيه، وتقوية أيضا دور الجمهور في الإبلاغ عن قضايا الفساد وحمايتهم بما يعزز جهود المكافحة.

ثالثا: على الحكومة التحول بجزء من البرنامج الإصلاحي لقياس أداء الأجهزة الحكومية بما تقدمه من خدمات وقياس سرعة تقدمها والوقت المحدد لذلك وكفاءة تلك الأجهزة، فعدم قياس أداء الحكومة أكبر باب لجلب الفساد، الدولة تسير في هذا الطريق لكن إيقاع الإصلاح في النظم الإدارية بطيء للغاية.

رابعا: تأسيس أكاديمية للقيادات العليا تكون مسئولة عن إجراء دراسات ومتابعة لأداء قيادات الدولة، وتأسيس قاعدة بيانات لتلك القيادات، فضلا عن التأهيل والتدريب على فن القيادة للوجوه الشابة الواعدة.

*ما الفرق بين اختيار المسئولين في مصر وفي الغرب؟
المقارنة هنا غير عادلة، لأن اختيار المسئولين يتأثر بالظروف السياسية والمؤسسية وما تمر به الدولة خاصة في المرحلة الانتقالية، لكن في جميع الحالات النموذج العالمي الأمثل لاختيار المسئولين ألا يكون الاختيار فرديا بل هيكليا، وفي مصر يتم ذلك بإعادة هيكلة الحكومة، من خلال اختزال واختصار ودمج الوزارات ووضع الخطط قبل اختيار المسئولين وإجبارهم على تنفيذها في العلن، إلى جانب تطبيق إستراتيجية الوقاية والمنع.
الجريدة الرسمية