الدكتور أحمد عمر هاشم: قاتل الله كل من يفتى بغير علم وما يحدث الآن لا يمت للإسلام بصلة
أكد الدكتور أحمد عمر هاشم -عضو هيئة كبار علماء الأزهر - أن الله تبارك وتعالى أمرنا بوحدة أبناء الوطن، ونهى عن التحزب والتشرذم، وأن ما يحدث الآن فى مصر من تصارع على السلطة وتحارب واقتتال وإراقة للدماء وإزهاق للأرواح لا يمت للإسلام بأى صلة، وأن الإسلام رفض كافة أشكال العنف ضد أهل الذمة، وأن دولة الإسلام أعطت لهم كافة الحقوق، وأقرها فى أول وثيقة عرفتها البشرية كتبت بيد الرسول الكريم، وإلى نص الحوار......
-بم تفسر ما يحدث من هجمات متعددة وبأساليب ملتوية ضد الأزهر الشريف؟
الأزهر قبلة العلم والعلماء، وسوف ينصر الله تعالى الأزهر؛ لأن الأزهر هو من يحمى اعتدال ووسطية الإسلام، وسوف يرد الله كيد من يرد بالأزهر شرًّا إلى نحره، وسيحفظ الله الأزهر ضد أى محاولات وضعه فى طرق شائكة.
-حالة التحزب والفرقة فى المجتمع المصرى.. كيف ترى الحل؟
الحل أن تقام العدالة والمساواة بين جميع أطياف الشعب، ففى هذه الحالة لن نجد ما نراه الآن من تراشق وتحزب وادعاء الأفضلية، وسبب ذلك هو الظلم، فإذا تحقق العدل لن تجد شيئًا من هذا، وقد بشّر الله الحاكم العادل بقوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِى الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}، وقال عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، فالأمان رهن بإقامة العدل، فإن كان هناك ظلم من فئة أو محاولة إقصاء لفئة أخرى، وأن تقوم الدولة بفريق واحد أو فصيل واحد فلن تستطيع، وهذا هو الظلم بذاته، ولنا فى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وصحبه الكرام عظة، فدولة الإسلام قامت بالتحابب والتواصل مع كل فئات المجتمع، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أحب لأخيك ما تحب لنفسك"، لكن للأسف تجاهل الناس سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجاهل الحكام سنة الرسول، وأرادوا الاستئثار بهذا البلد لأنفسهم، فليعلم القائمون على الحكم أن مصر أمانة فى أعناقهم، وسوف يُسئلون عنها أمام الله تعالى يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وما يحدث فى مصر من سفك للدماء وقتل، فكل هذا فى رقبة من يريد أن يضيع هذا البلد، ونأسف أن ما يحدث فى مصر الآن يحدث باسم الشريعة، والشريعة منهم براء، فليس من ينادى بإقامة الدين هو من يقول بسفك دماء الناس وبقتل الناس، وليست الشريعة فى أن يعزل الحكام فى أبراج عاجية، بل للرعية حق عليهم، وللشعب حق فى رقابهم، بل حق عليهم أن ينزلوا إلى الناس فى الشارع ليعلموا ما حاجاتهم، فسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يسير فى الشارع ذات يوم وكان يتفقد أخبار الرعية، فنادته سيدة مسنة، فسمعها وانتظر حتى ظهرت له من جموع الناس، وسارت نحوه وخاطبته قائلة: يا عمر اتق الله فى رعيتك، فقال لها رجل بجوار عمر: يا هذه، لقد تجرأت على أمير المؤمنين، فقال له عمر بن الخطاب: دعها؛ فأنت لا تعرف من هذه؛ إنها خولة بنت ثعلبة، التى سمعها الله تعالى من فوق سبع سماوات وهى تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشتكى الله فى زوجها، أفلا أكون سامعًا لها؟ وهنا يضرب عمر بن الخطاب المثل القويم فى رحمة الحاكم بالرعية، وكان عمر أمير المؤمنين، حاكمًا للدولة الإسلامية، أما الآن فما يحدث لا يمت للإسلام بصلة، فلم يأمر الإسلام بسفك الدماء من أجل السلطة، ولم يأمر الإسلام الحاكم أن يوالى حزبًا أو جماعة على جماعة لتستأثر بالسلطة، فعلى الجميع أن يتقى الله فى هذا البلد.
- يتنازع نظام الحكم رؤى منها الدولة المدنية الحديثة والدولة الدينية، كيف ترى الحل؟
لا نريد هذا ولا ذاك، بل نريد الذى يسير على الجادة، والذى يحكم بالحق والعدل؛ لأن الله تعالى يؤيد الدولة العادلة، ينصرها الله تعالى وإن كانت كافرة، ولا يؤيد الظالمة وإن كانت مسلمة، لذا وجب على كل مسئول أن ينأى بالمجتمع عن الظلم، وأن يطبق العدالة بمعناها الحقيقى، فلا يظلم أحد أحدًا، ولا يظلم مسئول شعبه، ولا يستأثر بالمناصب والهيئات والوزارات لفريق دون فريق، ولا توزع المناصب كذلك إرضاء للفرقاء السياسيين من باب جبر الخاطر، وإنما توزع طبقًا لمبدأ الكفاءة والمعرفة .
- هناك دعوات الآن بالإقصاء والتهميش، وفتاوى بالتكفير وإزهاق الأنفس والتخوين، ما أثر ذلك على المجتمع؟
أرى أن الناس لم يفهموا الدين ولم يطبقوه ولم يعملوا بتوجيهاته، ولو أن الناس حكامًا ومحكومين، أممًا وشعوبًا، أفرادًا وجماعات، طبقوا تعاليم الإسلام لأمنوا وسعدوا، ولَمَا كانت هناك معارك أو إزهاق للأرواح والدماء البريئة، والرسول يقول: "سيأتى زمان على أمتى يُخَوَّن فيهم الأمين ويُؤتمَن الخائن، ويُصدَّق الكاذب ويُكذَّب فيهم الصادق، وينفث فيهم الرويبضة"، قيل: "ومن الرويبضة يا رسول الله؟"، قال: "الرجل التافه يتحدث فى أمر العامة"، وهو ما نشاهده الآن، فلو أن الناس أخذوا بموازين الله الحقيقية لَمَا كان هناك هذه الصراعات التى نراها، وإباحة سفك الدماء أمر خطير، والذى أفتى بهذا ليس عالمًا ولا عارفًا بالكتاب ولا بالسنة ولا بالأحكام.
ومن يتجرأ على الفتوى بغير علم قاتله الله، والرسول يقول: "أجراكم على الفتوى أجرأكم على النار".
-ما مفهوم الوطن والمواطنة والتعايش السلمى بين أبناء الشعب فى الإسلام؟
المواطنة أمر من أمور الدين التى جاء بها القرآن، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، فالإسلام أمرنا بالإيمان بجميع الرسل {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}، والقرآن قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، فكان بهذا يؤسس لحياة يعيش الناس فيها آمنين ومطمئنين، وأن تكون لغة الخطاب ومنطق الحوار مع الآخر بالتى هى أحسن، قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، فالقرآن يقرر أن التعددية إرادة إلهية، والرسول يتبرأ ممن يقاتل الأقباط فيقول: "من أمّن رجلًا على دمه فقتله فأنا من القاتل برىء ولو كان المقتول كافرا"، والقرآن يقرر هذه الحقيقة فيقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}، وعلى هذا النحو قرر الإسلام أصول المواطنة الحقيقية، ويعيش الناس تحت راية الإسلام آمنين، فهذه هى المواطنة، ومعاملة غير المسلمين على هذا النحو جعلهم يدخلون فى دين الله أفواجًا لمّا رأوا هذه المعاملة الحسنة ما وسعهم إلا الدخول فى دين الإسلام.
أما السب والتجريح والتخوين والاستئثار والاحتراب والتهميش والتظاهر، فهذا أبعد ما يكون عن شرع الله، فاستعمال الأسلحة النارية هى من أكبر الخطايا التى سوف يحاسبون عليها يوم القيامة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بثلاث: النفس بالنفس والزانى والمفارق لدينه". والقرآن الكريم يقرر: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، فهى خمس عقوبات تنتظر من يقتل مسلمًا متعمدًا.
ولنا فى رسول الله أسوة حسنة فى إقراره بحقوق الإنسان، حتى الوثنيين واليهود ونصارى نجران فى وثيقة المدينة، وهذه الوثيقة تمثل أول وثيقة فى حقوق الإنسان تضمن حرية العقيدة والمواطنة والدفاع عن الوطن من جميع أبنائه، على اختلاف دياناتهم، أما ما كان عليه المسلمون من الأنصار والمهاجرين فهى أخوة، عندما آخى بينهم الرسول، فهذا هو الإسلام يحترم حرمة الناس لدرجة أن الرسول وقف وهو يعلم أنها جنازة يهودى، فوقف لها، فهذه عظمة الإسلام، والذين يخرجون عن هذه المبادئ يريدون إيقاع الوطن فى فتن كبرى.