ندا.. وعنان.. وشروط الإرهابية!
لا يختلف أحد على حق أي مواطن يحمل الجنسية المصرية في الترشح لانتخابات الرئاسة طالما توافرت فيه الشروط والضوابط التي حددها الدستور الساري وقت الانتخابات، ولا يختلف أحد على حق كل مواطن له حق التصويت والانتخاب أن يدلي بصوته لمن يريد ويقتنع بمن يري أنه مناسب لتحقيق آماله في الحياة، ولا يختلف أحد على ضرورة إعطاء الفرصة لكل مرشح أن يعلن على الشعب ما يريد قوله وفعله، ولا يجب أن يختلف أحد على أن الشعب المصري لديه من المخزون الحضاري والخبرة ما يؤهله لأن يكون قادرا على الفرز الحقيقي عند الاختيار خصوصا في الأوقات الفاصلة في تاريخه..
ولا يجب أن ننسي أن الشعب ضرب أمثلة رائعة عندما كان الوطن على المحك، وكان اختياره دائما منحازا للوطن وعلى أرضيته الصلبة، ولا يجب أن نتغافل عن حقيقة صارت راسخة في أن الشعب المصري استرد موقعة في المعادلة وصار رقما صعبا فيها لا يمكن الالتفاف عليه أو تغييبه أو اختطافه مرة أخرى.
خلال السنوات السبع الماضية جرى في النهر من المياه الكثير جرفت معها رواسب كانت تعوق سريان الماء، وكشفت عن خبايا مجرى النهر فظهر قاعه للعيان، وبات لا يمكنه إخفاء شيء، وأعلن النهر عن نفسه بوضوح أنه لن يسمح أن يجري فيه غير الماء الصالح للشرب، ولن يسمح أن تتكون فيه مياه آسنة بعد ذلك!
وكما أنه من حق أي مواطن تنطبق عليه الشروط الترشح لانتخابات الرئاسة، فإنه من حق الشعب أن يسأل عن هذا المرشح أو ذاك، وأن يعرف على أي أرضية يقف هذا المرشح للرئاسة من قضايا الوطن الأساسية وثوابته الوطنية، وأن يعرف من يقف وراءه ومن يدعمه، وإذا كان ذلك حق للمرشح للفوز بالانتخابات فهو حق أصيل للشعب الذي يعطيه الثقة ويمنحه حق الجلوس على مقعد رئاسة مصر!
في كل انتخابات تجري في أي مكان بالعالم يحدث الجدل ويتصاعد حول المرشحين في سباق الرئاسة، ويستخدم المرشحون وحملاتهم الانتخابية كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى مقعد الرئيس، وأظن أننا لسنا مختلفين عن غيرنا في هذا الأمر، وعليه فإن مناقشة أي مرشح رئاسي حق مكفول للجميع بشرط أن تكون المناقشة على أرضية وطنية ولمصلحة الوطن في المقام الأول لأنه لن يكون مسموحًا لأي مرشح قد يصبح رئيسًا لمصر ألا يكون الوطن هو أولويته الأولى وفوق كل اعتبار.
وعليه فإنه من حقنا أن نسأل الفريق عنان شخصيًا عن تلك الرسالة التي وجهها له المفوض السابق للعلاقات الدولية لجماعة الإخوان التي يقول فيها: (بلا مواربة إن الإخوان سيظلون مع التوافق الوطني، وقد يقبلون بانتخابك للرئاسة مراعاة لعدة أمور".. "عودة الجيش لخدمة الشعب وحمايته وحماية الدولة"، و"إعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات والطلب من رئيسها المنتخب محمد مرسي التنازل لصالح الأمة"، بجانب "تطهير القضاء" و"إلغاء الأحكام المسيسة التي حكمت في عهده والإفراج عن المعتقلين وتعويضهم"، و"تطهير الشرطة" و"إعادة النظر في القرارات المتعلقة بثروة مصر وحدودها)..
لذلك نسأل عنان: هل يقبل أن يكون رئيسا لمصر بشروط الجماعة الإرهابية، وهل يرى رئيس الأركان أن الجيش لا يخدم الشعب أو الدولة، وهل يري أن عقيدته العسكرية قد تغيرت إلى الحد الذي جعل الجماعة الإرهابية تطلب منه ذلك، وهل يرى أن أحكام القضاء غير عادلة ومسيسة، وهل يري أن انتخابات 2012 كانت نزيهة ولم تزور ومن ثم يجب إعادة الاعتبار للخائن مرسي؟
أسئلة كثيرة من عينة تلك الأسئلة يتحتم أن يجيب عنها عنان (المرشح المحتمل لرئاسة مصر) لأنه الوحيد وليس سواه من أفراد حملته أن نائبيه يستطيع الرد عليها، لأنهما ليسا مصدر ثقة، فالأول ينتمي للجماعة قلبا وقالبا، والثاني من دعاة يسقط العسكر ويكره الجيش كراهية التحريم، كما لا يستطيع غيره الإجابة عن تفاصيل الساعة الأخيرة التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أحداث يناير بساعات وما زالت سرًا مطلوب كشفه للشعب!
أما ما جاء في خطاب ترشحه من أسباب دفعته للترشح لإنقاذ مصر وإصلاح ما دمرته الرئاسة الحالية من عنف وتراكم للديون وضياع الأمن وبيع الأرض والثروات.. فهذا مردود عليه بكل بساطة وعليه فقط أن يراه بأم عينيه ولا يخضع لهوي النفس الأمارة بالسوء في سبيل الوصول إلى كرسي الرئاسة!
وأما دلالات اختيار نائبين له على هذه الشاكلة فإنه أمر يدعو للعجب قبل الريبة والشك في هدف خوض سباق الرئاسة بشكل مفاجئ وفي صمت الليل البهيم.. فالرجل لم يضبط يوما منذ أخذ وسام الاستحقاق من مكتب إرشاد الجماعة متحدثا في السياسة أو الشأن العام أو في أي قضية وطنية خلال تلك السنوات العجاف التي مرت بمصر، والعجيب أن المتحدث باسم حملة عنان، حازم حسني، من حيث أراد أن ينفي دعم الجماعة له أكد ذلك بجهل سياسي لا يحسد عليه، حيث أكد على حرية الإخوان في دعم من يشاءون، بما يعني أنه لا مانع لديهم من وضع أيديهم مع من تلوثت أياديهم بدماء المصريين..
ومن حيث أراد نائبه المحتمل حازم حسني أن يبرر للناس كيف أنه وصف عنان قبل ذلك بأنه لا يصلح رئيسا للجمهورية ولم يكن يصلح أصلا لمنصب رئيس هيئة الأركان، ولا لتمثيل شرف العسكرية المصرية أو اعتداد قادتها بأنفسهم.. فإذا به (حازم حسني) يوقع نفسه في تناقض كبير.. كيف يسمح لنفسه أخلاقيًا أن يعمل نائبا لرئيس وصفه من قبل بأنه لا يصلح لشيء؟ وكيف يسمح مرشح محتمل للرئاسة لأن يكون نائبه على هذا النحو وهو من كان يسب -وما زال– الجيش التي ينتمي إليه!
في كل الأحوال من حق عنان التقدم لسباق الرئاسة، ومن حقه أن يرى ما يرى، ومن حقنا أن نسأل ونعرف تفاصيل الصورة التي يريدون تسويقها إلينا، ومن حقنا أن نختار المرشح الذي يقف على أرضية وطنية لا تتجاذب بالمصالح مع جماعة إرهابية، ولا أجندات أجنبية، ولا قوى ترى أن الحل هو إسقاط الدولة!
معادلة ندا وعنان والإرهابية كاشفة وإن أنكروها، لذلك كان من حق الرئيس أن ينبه أن الشعب لن يسمح للفاسدين باعتلاء كرسي رئاسة مصر.. والأيام القادمة حبلي بالكثير.. وغدا تتبدد أوهام الواهمين.