«قيس وليلى 2018.. حكاية زوجين ينسجها الوفاء».. «عبدالحليم» يفقد الاتصال بزوجته 37 عاما.. أسرته بمصر تستخرج شهادة وفاته لصرف المعاش.. والصدفة تعيده من جحيم العراق لحضن رفيقة العمر (
«وهام قيس على وجهه في الأرض لا يعلم له مسكنًا، فشهرًا يكون في الشام، وآخر يكون في البادية، ويتنقّل بينهما وهو يتغنّى بأيّام ليلى، ويرجو لقاءها، فما عادت تطل عليه بسمتها، وما عاد يسمع ضحكتها، وما يلوح في أفقٍ يراه ثوبها، وما مسّها في حياته كلها، فبقيت حلمًا وشهوة تسري في عروقه».. كلمات تصف أقوى قصص الحب والوفاء في التاريخ «قصة قيس وليلى».
وفي رواية أخرى نسجها الواقع من عناء الغربة والسفر ربما تفوق الدراما المصرية.. فقدت أسرة مصرية رب البيت وأصبح خلال 37 عامًا بحكم الأوراق الرسمية ميتًا، رغم بقائه على قيد الحياة.. فحكمت عليه الأقدار أن يستخرج له شهادة وفاة واعتبار نجله يتميًا وزوجته أرملة.
الوقائع التي تعرضها «فيتو» ليست سيناريو فيلم أو قصة درامية، لكنها حقيقة واقعية عنوانها الوفاء أو الأمل أو المعجزة.. تصلح لها كل كلمة لمعنى جميل.. فبعد مرور ما يقرب من 4 عقود عاد "المفقود" بمحض الصدفة لأرض الوطن فيجد رضيعه أضحى أبا وزوجته التي تركها شابة جعد الزمن وجهها.
تلك كانت حدوتة "عودة ميت من العراق عم "عبد الحليم" لمصر مع زوجته ونجله فقَد يَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بَعدَما يَظُنَّانِ كُلَّ الظّنِّ أَن لاَ تَلاَقِيَا.
حقيقة لا يدركها عقل.. عقب عودة الشاب الذي فقد هويته فعاد لوطنه كهلا بعد غياب دام نحو 37 عامًا عن أسرته الصغيرة، فقد فيها شبابه وملامحه وذكرياته وهويته في غياهب الغربة التي جعلته يتحدث اللهجة العراقية تلقائيًا دون بالمصرية وعاد خاوي اليدين لبلدته الصغيرة بأسيوط.
التقت "فيتو" العم عبد الحليم ونجله نصر وأحفاده عقب عودته لأحضان مصر ليسرد حكايته، والتي بدأتها زوجته قائلة: انتظرته طوال السنوات الماضية، وكنت على يقين بوجوده حيًا، ولكن ما باليد حيلة كان يجب استخراج شهادة وفاة لتقاضي المعاش لتربية ابني، بعد أن طردنا أهل زوجي ولكنى ظللت انتظره بالأمل حتى عاد إلى مرة ثانية ولكن لم نعد شبابا كما كنا.. أصبحنا أجداد.
يقول عبد الحليم "فلاح" مواليد عام 1963 مواليد قرية النواورة التابعة لمحافظة أسيوط: "كنت شابا عاديا تزوج قبل العشرين من عمرى وكان العراق وجهة الجميع للسفر.. فعندما تزوجت من ابنة عمتى وأنجبت لى الطفل نصر عام 1981 قررت السفر للعراق، وخاصة أن الرزق ضيق في قرى الصعيد، ونجلي لم يكن أكمل العام ونصف العام، ووصلت العراق واستقر بى الحال في محافظة كركوك بمنطقة الحويجة، ولم أغادرها طيلة العقود الماضية.
واستكمل: كانت حياتى على ما يرام فأنا لا اقرأ ولا أكتب وعملت في الفلاحة عند ناس طيبين وتواصلت مع أسرتى لفترة زادت على العامين بانتظام وكانت ذلك عن طريق أحد المسافرين، ولكن حدث ما لا يحمد عقباه أثناء وجودى بعدما احترق المنزل الذي كنت أقطنه واحترقت معه جميع أوراقي وأموالى.
وأردف: "بعد فترة قرابة العام حاولت جاهدا عام 1985 العودة أو الاتصال بعائلتى ولم تكن هناك وسائل اتصال حديثة وقتها في القرية، وغادر من أعرفهم وتوجهت للسفارة المصرية لعمل أوراق فطلبوا مني شهادة ميلاد يتم استخراجها من مصر، ولم أجد شخصًا يصلنى بأهلي في مصر ومرت السنوات وأنا أحاول أن أقابل مصريًا يصلنى بأهلي حتى ظننت أنهم ربما ماتوا وأنا أيضًا سأموت في العراق.
ويضيف: لم يتبدل الحال ظللت بمكاني بأمل أن أحد ممن كنت أعرفهم لمكانى في القرية أو أعثر على مصري أو يرسلوا إلى وعاصرت حرب الخليج مع الكويت وسنوات حكم صدام حسين الذي قتل بخسة الأمريكان وحزنت عليه كثيرًا، وحاولت التعايش في العراق كأنه موطنى، خاصة أننى عشت فيه أكثر من مصر، ولكن كان في قلبي غصة وحزن فعشت بلا ولد أو زوجة طيلة أيام غربتى، ولم أفكر في الزواج هناك على أمل العودة يوما إلى أهلي وأجدهم في انتظاري، واحتلت أمريكا العراق.. تلا ذلك بأعوام سيطرة الدواعش وظللت في محبس دائم مثل الجميع في كركوك.
صدفة خير من ألف ميعاد
واستطرد: حدثت صدفة غيرت مجرى الأمور.. تقابلت هناك مع مصري من الإسكندرية وحكيت له ظروفى في العام 2014، بعد مرور أكثر من 30 عاما فوعدنى بمجرد نزوله مصر بالسؤال عن أهلي ويصلني بهم ووجد نجلى "نصر" وقد تجاوز الــ 35 عاما وتزوج وأنجب وعرفت أنه على موعد بعمل مكالمة تليفونية بينى وبينه.
وواصل: تحدثنا هاتفيا لأل مرة ولم اكن اصدق ما أنا فيه في نهاية العام 2014 وسمعت صوت نجلى الذي تركته رضيعا وهو الآن أبا ل6 أطفال واتممت المكالمة بأنه أراد أن يرانى ويجري مكالمة عبر الإنترنت لنرى بعضنا.
وهنا يتدخل الابن نصر "طلبت من أبي أن نجرى اتصال عبر الإنترنت لأنى لم اكن أصدق أن والدى حى فمنذ نشأت وأنا اعلم أنى يتيم..طلبت من والدتى وعمتى الحضور للتعرف على والدى عبر مكالمة الفيديو على الإنترنت واللتين أكدتا أنهما ستتعرفا عليه والدى.
ويقول: أجريت المكالمة وتهلل وجه عمتى وهتفت "عبد الحليم أخويا هو أنا أتوه عن لحمى ودمى وجاء صوت عبد الحليم: انتى ثنية أختى، وانتى أم نصر" ورأيت والدتى تبكى: عبد الحليم أبو نصر هو عبد الحليم"، وأشارت له في لهفة شوف ولدك بقى راجل أيوة هو ده نصر كبر واتجوز وخلف" وحكت له معاناتها من بعد سفره حتى أعطتها المحافظة منزل في قرية السيول البعيدة، واكتشفت أنه مباع لآخرين وشقائها طيلة أيام بعده بداية من أن المحكمة إلى طلبت عقد الزواج العرفى الذي كان يكتب قديمًا وانتظار شهادة الشهود الذين يقرون بوفاته رغم عدم وجود جثة ورفضهم وانتظار إشهار الوفاة لاستخراج المعاش لتربية ابنى وشقاء نجلى من رفاقه وأقاربه".
وتمر الأيام بعد تلك المكالمة في محاولات مستميتة لإرجاع الوالد لأرض مصر وازدادت الأقاويل عن كون الأمر أكذوبة ويسافر الولد للقاهرة طارقا مرة أبواب القنصلية وتارة السفارة وأخرى الخارجية التي تنعم عليه بالرأي السديد بعد استخراج شهادة ميلاد للوالد وإرسالها له عدة مرات، ولكن لا تصل لكونها تذهب لبغداد وليس كركوك وبعد يحدد ميعاد الوصول، ولكن يأبى داعش أن تريح الوالد ونجله فيحول بينهم ويحاصر المدينة والقرية 3 أعوام لا يستطيع الخروج وتحاول الخارجية المصرية الوصول إليه، وترسل له وثائق السفر التي تنتهى واحدة تلو الأخرى إلى أن يحين القدر دوره ويأتي الموعد ويحدد ويستطيع الهروب من براثن داعش.
وفى الأسبوع الماضى تأتى الليلة الموعودة التي تبلغ فيها الخارجية المصرية الابن أن الأب المفقود سيصل بعد ساعات، فيهرول للقاهرة وينتظره قبل موعد الطائرة بساعات وحينما يلتقى به يغشى عليه بعدما نطقها للمرة الأولى في حياته بعد 36 عاما "أباه" وتنهال التبريكات والتكبيرات في المطار من الجميع وسط أحضان ودموع دامت قرابة الساعة بعد لم شمل المفترقين.
ويأتي الوالد من القاهرة سريعًا وتكون البلدة بأكملها في استقباله ولكن زوجته هي من كانت على أحر من الجمر بعدما كتب القدر جمع الشتيتين بعد أن ظنا كل الظن أن لا تلاقيا، وتهرول ناحيته الزوجة تأبى لأول مرة أنا تقترب فبعد السنوات العجاف غير الزمن من ملامحه وجعله غريبًا عنها بعدما حزنت وارتدت الأسود عليه طيلة سنوات عمرها وهى شابة، ولكنها ظلت على العهد حتى حان القدر وعاد إليها واجتمع بنجله وأحفاده من جديد ربما يعوضوا ألم الفراق الطويل بالسنوات القليلة الباقية عما هدر من سنوات مضت.