رئيس التحرير
عصام كامل

الخطة X لمواجهة المافيا عابرة القارات.. أسقطت عصابة الأردنيين بـ100 مليون جنيه وكنز علي بابا.. 25 ضابطا من مباحث القاهرة شاركوا في ضبط العصابة..250 مليون جنيه خطط الجناة لسرقتها.. و33 جريمة نفذوها

فيتو

انشغل المصريون في الأسبوع الماضى بواحدة من أكبر جرائم السرقة وأكثرها إثارة.. فيها نجحت عصابة أردنية في تنفيذ 33 حادث سرقة، جمعت خلالها 100 مليون جنيه، ونحو 22 كيلو مشغولات ذهبية وألماس، وعددا من السيارات، وساعات فاخرة، وأصابت الصدمة الكثيرين بعد أن شاهدوا المضبوطات التي عرضتها الداخلية في سرادق خاص.


وبعيدا عن تفاصيل تلك الواقعة، فإنها تلقى الضوء على نوع جديد من الجرائم يمكن أن نطلق عليه اسم “المالتى جريمة” أو الجرائم العابرة للقارات، التي تنفذها عصابات دولية تضم جنسيات أجنبية مختلفة.. محقق “فيتو” في الملف التالى يكشف مواصفات العصابات الدولية، وطرق دخولها لمصر، ونوعية الجرائم التي ترتكبها، وكيفية مواجهتها من قبل الأجهزة الأمنية من خلال خطط خاصة، مع إبراز لأهم المفاجآت التي كشفت عنها التحقيقات مع أفراد العصابة الأردنية.

مجمع صناعى لغسيل الأموال
في البداية كشف مصدر أمني مطلع عن أن «العصابة» مرتبطة بعصابات دولية أخرى أكبر تمارس نشاطها في عدة دول، وكانت تعتزم ارتكاب سلسلة من جرائم السرقة في مصر خلال فترة زمنية محددة، أو حتى تجمع 100 مليون جنيه مصرى، ثم تتخلى عن نشاطها الإجرامى المعتاد، وتبدأ في إنشاء مشروعات تجارية مستغلة الأموال التي استولت عليها كنوع من “غسيل الأموال”، ثم تخرج كل تلك الأموال من البلاد بطرق مشروعة، باعتبارها ناتجة عن أنشطة ومعاملات تجارية، غير أن الطمع أعمى عيون أعضاء العصابة، واستمروا في أنشطتهم الإجرامية بمنطقة مدينة نصر والتجمع الخامس، وكانوا يستهدفون الفيلات الراقية، والتي يحتمل تواجد مبالغ ضخمة بداخلها. 

وأشار المصدر إلى أن التحقيقات الأولية أظهرت أن المتهمين وصلوا إلى مصر في شهر أبريل الماضى منفصلين، اثنان منهما ادعيا أنهما تاجرا ملابس جاهزة، وآخر دخل بتأشيرة سياحة، والرابع ادعى حضوره لمصر لشراء سيارة والعمل بها في إحدى شركات النقل.. وبعد شهر تقريبا التقى الأربعة داخل “كافيه” بمدينة نصر، واتفقوا على البدء فورا في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وسرقة أكبر عدد ممكن من الفيلات وشقق الكمبوندات الفاخرة، وبالفعل بدأ الجناة في اقتحام المنازل في غياب أصحابها وسرقة ما فيها.

وتعددت البلاغات أمام الأجهزة الأمنية، حتى وصلت إلى 32 بلاغا، جميعها تحمل نفس التفاصيل تقريبا، ما يشير إلى أن مرتكب تلك الجرائم تشكيل عصابى واحد، واتضح من خلال المعاينات أنه على قدر كبير من الاحتراف، فلم يترك أفراده أي أدلة ضدهم سواء بصمات أصابع أو بصمات نفسية مثل بقايا الأكل أو السجائر أو الاعتداء على الضحايا، أو غيرها، فضلا عن تمكنهم من تجنب كاميرات المراقبة، ونجاحهم في تعطيل بعضها، ويبدو أنهم استخدموا تقنيات حديثة للتواصل فيما بينهم، وتنسيق الأدوار واعتمدوا على رسائل مشفرة كى لا يرصدهم أي شخص أو يشك فيهم.

المصدر أضاف أنه نظرا لخطورة الموقف، فقد تم تشكيل فريق بحث عالى الكفاءة ضم نحو 25 ضابطا من رؤساء ومفتشى مباحث القاهرة، قاده اللواء محمد منصور رئيس مدير مباحث العاصمة، واللواء نبيل سليم رئيس المباحث تحت إشراف مباشر من اللواء مجدى عبد الغفار وزير الداخلية، لفحص البلاغات وجمع المعلومات حول تلك الجريمة.. انتظر فريق البحث حتى وقعت العصابة في خطأ فادح، إذ ورد بلاغ في ليلة رأس السنة بسرقة محتويات فيلا بالتجمع الخامس بذات الأسلوب.

وعلى الفور انتقل رجال المباحث إلى الفيلا، وهناك عثروا على “فردة حذاء” باهظ الثمن، لا يباع إلا في محال معينة، ومن خلال مراجعة تلك المحال وكاميرات المراقبة بها، تمكن رجال المباحث من تحديد هوية أحد الجناة.. وفى ذات الوقت تلقت الأجهزة الأمنية بالقاهرة بلاغا من أحد المصادر السرية تفيد بمحاولة شخص أردنى تهريب كمية من المشغولات الذهبية والساعات الفاخرة ومبالغ مالية إلى الخارج من خلال الطريق البرى.. ربط فريق البحث بين الواقعتين، وعلى الفور تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وألقى القبض على الشخصين، واعترفا بتفاصيل جرائمهما وأرشدا عن المسروقات في مخزن بمدينة العبور، كما أرشدا عن باقى المتهمين.

وأشارت التحقيقات وفقا لمصادر خاصة إلى أن الجناة كانوا يعتزمون إنشاء مجمع صناعى، لغسيل الأموال التي تحصلوا عليها من السرقة برأس مال يصل إلى 250 مليون جنيه، يضم مصانع للملابس الجاهزة، ثم يعودون إلى بلادهم في صورة رجال أعمال أثرياء، غير أن الأجهزة الأمنية المصرية أجهضت مخططاتهم.

جرائم متعددة الجنسيات
كيف تتسلل العصابات الدولية إلى البلاد.. وما أبرز جنسياتها؟ ونوعية الجرائم التي ترتكبها؟ ولماذا تختار مصر تحديدا لمزاولة نشاطها الإجرامى؟ وكيف تتعامل الأجهزة الأمنية معها؟

هذه التساؤلات وغيرها طرحها المحقق على مصدر أمني مطلع في قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية فأجاب عنها قائلا: “شهدت السنوات الأخيرة، تدفقا غير مسبوق للعناصر الإجرامية الأجنبية والعصابات الدولية المنظمة، مستغلة الأحداث التي وقعت في أعقاب ثورة يناير 2011، وضعف الأجهزة الأمنية وقتها، وبدأت تزاول أنشطتها الإجرامية في عدد من المحافظات المصرية، وهؤلاء يتسللون إلى البلاد بطرق مختلفة من بينها الحصول على تأشيرة سياحية، أو بغرض العلاج أو الدراسة، والقليل منهم اجتاز الحدود بطرق غير مشروعة سواء من الجنوب عبر السودان أو من الغرب عبر ليبيا.

المصدر أشار إلى أن العناصر الإجرامية الدولية التي تسللت إلى مصر تحمل جنسيات مختلفة منها “بيرو وكولومبيا والبرتغال” والمنتمون لتلك الدول تخصصوا في سرقة رواد البنوك بالمناطق الراقية. كما تم رصد عصابات من “نيجيريا وإثيوبيا وغانا والكاميرون وليبيريا والسودان”، وهؤلاء تخصصوا في جرائم النصب والاحتيال، تحت مسميات عديدة مثل توليد الدولارات والدجل والشعوذة، واتخذوا من مناطق المعادى والبساتين ومدينة نصر والشيخ زايد وأكتوبر، مسرحا لمزاولة أنشطتهم غير المشروعة.

وعن تعامل الأجهزة الأمنية مع تلك العصابات بالغة الخطورة قال المصدر: “تواجه الأجهزة الأمنية عدة صعوبات في التعامل مع العصابات الدولية، أو محترفى الجريمة المنظمة الأجانب، أولها عدم وجود قاعدة بيانات كافية عن الأجنبى باستثناء ما تستوفيه الأجهزة المختصة من جواز السفر الذي يكون مزورا في بعض الأحيان، وثانيها أن بعض العناصر يكون من اللاجئين، وتواجد في البلاد تحت مظلة منظمات إغاثة دولية، وثالثها اتباع تلك العصابات أساليب جديدة ومتطورة للغاية في ارتكاب جرائمها على طريقة “المافيا العالمية”، وأخيرا أن الكثيرين من هؤلاء يغادرون البلاد خلال فترات قصيرة، وقبل اكتمال التحريات عنهم، وفى بعض الأحيان يتم اكتشاف جرائمهم بعد سفرهم”..

وأضاف المصدر: “على الرغم من تلك الصعوبات، فإن الأجهزة الأمنية المصرية، استطاعت رصد عشرات العصابات الدولية، واستطاعت إسقاطها من خلال خطط تعتمد على عناصر بحث حديثة.. هذه الخطط تحمل مسميات مختلفة مثل “الخطة x أو الخطة فهد أو الخطة رعد”.. وتتمثل عناصر تلك الخطط في: “فحص كل البلاغات بدقة الربط بين الجرائم المتشابهة في أسلوب ارتكابها.. إعادة استجواب الضحايا أكثر من مرة، ومحاولة الوصول إلى طرف خيط من مسرح الجريمة كالعثور على دليل مادى.. التنسيق مع الإدارات المختصة لجمع أكبر قدر من المعلومات وتحليلها.. إشراك الإنتربول الدولى للحصول على معلومات إضافية عن الأجنبى المشتبه فيه من خلال النشرات الخضراء والبنفسجية، ونشر العناصر السرية في محيط مسرح الجريمة.. وبالطبع هناك عناصر وبنود سرية في تلك الخطط لا يمكن الإفصاح عنها”.

وأضاف المصدر:”عادة ما يتكون فريق البحث من مجموعات صغيرة تسمى “الأطقم” كل مجموعة تتولى مهمة معينة، فمثلا هناك مجموعة لجمع المعلومات من محيط مسرح الجريمة، وهذه تنتقل إلى مكان قريب من الحادث، وتتحاور مع شهود عيان وتناقشهم بغرض الوصول إلى معلومات جديدة، وهناك مجموعة “الفحص” ومهمتها مراجعة كل البلاغات المشابهة وإعادة فحص واستجواب المتورطين فيها من المجرمين المقبوض عليهم أو المسجلين خطر.

روشتة أمنية لحماية «أموال المنازل» من اللصوص
أصابت صور المضبوطات التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية مع العصابة الأردنية، جموع المصريين بالدهشة والذهول خصوصا الكميات الضخمة من المشغولات الذهبية والألماس، بالإضافة إلى ملايين الدولارات والعملات الأجنبية الأخرى والتي وصل مجموعها لنحو 100 مليون جنيه مصرى، وتساءل البعض عن سر احتفاظ الضحايا بكل تلك الثروات في منازلهم.. وتساءل آخرون عن مصير تلك المضبوطات..

اللواء نبيل سليم مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بالقاهرة، أوضح أن احتفاظ المواطنين بأموالهم ومشغولاتهم الذهبية في منازلهم يدخل في نطاق الحرية الشخصية ولا يمكن سؤال أحد: “لماذا تحتفظ بالأموال والمجوهرات في منزلك؟”.. وهناك بعض التجار وأصحاب الشركات ورجال الأعمال تقتضى طبيعة عملهم وجود سيولة لديهم ويحتفظون بها في منازلهم أو مكاتبهم.

اللواء سليم واصل حديثه قائلا: “من الأفضل ألا يحتفظ المواطنون بمبالغ ضخمة أو أموال تزيد على احتياجاتهم داخل منازلهم، وعليهم وضعها في البنوك ولضمان الحفاظ عليها وعدم تعرضها للسلب والنهب أو حتى التلف في حالة حدوث حرائق.. وإذا كان ولا بد من الاحتفاظ بمبالغ ومشغولات ذهبية ضخمة في المنازل، فعلى المواطنين اتباع عدة نصائح أمنية للحفاظ على أموالهم منها: الاستعانة بأفراد أمن موثوقين لتأمين الفيلات والكمبوندات ووضع كاميرات مراقبة على أسوارها وتركيب أجهزة إنذار، وتدريب أفراد الأمن وتطوير أدائهم بحيث تكون لديهم القدرة على اكتشاف أي شخص غريب والحصول على بياناته كاملة..

أما بالنسبة للشقق العادية، فمن الأفضل عدم الإفصاح لأى شخص عن وجود مبالغ مالية أو مجوهرات بداخلها، والاستعانة بالأبواب المصفحة وأجهزة الإنذار ووضع كاميرات مراقبة أمام العمارة من الخارج، وأخرى أمام باب الشقة، وربطها إلكترونيا بأجهزة الهاتف المحمول، بحيث يرى الشخص ما يحدث في شقته وهو خارجها، ويمكن استخدام أجهزة تسجيل متطورة ووضعها في أماكن خفية بالشقة، الاعتماد على أنواع خاصة من الخزائن عالية التأمين للاحتفاظ بالأموال والمشغولات الذهبية فيها”.

"نقلا عن العدد الورقي.."



الجريدة الرسمية