رئيس التحرير
عصام كامل

«15 عاما بلا أجر».. حكاية مدرب سخر حياته لرعاية ذوي القدرات الخاصة.. «أيمن سلام» يترك الأصحاء من أجل أحباب الله.. «طبق الفول» بداية يومه.. ويوضح حقيقة رفضه لعروض خارج مصر

فيتو

أيمن سلام، رجل خمسيني، إلا أنه لم يودع مرحلة الشباب هيئةً وروحًا، يعمل مدربا لرياضة الكاراتيه بالإسكندرية، منذ ٣٥ عامًا، كل هذا تجده للوهلة الأولى مألوفا واعتياديا، إلا أن اسم «أيمن» يحمل وراءه كثيرًا من البطولات والتضحيات. حب قذفه الله في قلبه تجاه صغار فوق العادة، فوهب نفسه لهم قبل ١٥ عاما مضت، تطوع مدربًا وأبًا في أغلب الأحيان، ابتغاء مرضاة الله، لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا، ويبقى السؤال ماذا لو كنت مدربا لذوي الإعاقة في لعبة قوامها الرئيسي حركة الجسم؟


7 الصبح
في السابعة صباحًا يبدأ يوم المدرب بـ: «أصلي الصبح، وبعده أضرب طبق الفول المتين.. وأتوكل على الله».. طقوس يومية مقدسة التزم بها منذ سن السابعة عشر، ومع بداية مشواره كمساعد مدرب: «عشقت التدريب ودرست واتخرجت، رفضت السفر لتدريب الأصحاء بالخارج، رفضت كل العروض اللى اتقدمت لى جوه مصر؛ لأني بحب الأطفال دول.. هما يستاهلوا أكون موجود عشانهم وليهم».

أيمن، الذي يقضي نحو ١٤ ساعة يوميًا في صالات وساحات التدريب، لديه من الأبناء اثنان، يكاد لا يراهما إلا إذا سمح القدر وجمع بينهما صباحًا قبل الذهاب إلى قاعات الدرس، طاقة الحب الأبوي التي لم يتمكن من تفريغها لأولاده كاملةً، يمنحها لهؤلاء الصغار ويوظفها لتحفيزهم: «طول النهار بيقولولى بنحبك يا كابتن.. وأنا بصراحة بستغلها وبقولهم لو بتحبونى اتدربوا أكتر وجيبوا ميداليات».

عادة يكون التعاطف مع الصغار من ذوي القدرات الخاصة والإعاقة، له خلفية إنسانية، ما بين مكروه أصاب عزيزا، أو قريبا يعاني نفس الحالة، ولكن يقول المدرب: «قبل خمسة عشر عامًا، كنت أعمل لفترة طويلة مدربا للياقة البدنية لذوي الإعاقة بلا مقابل، ومدربًا للكاراتيه للأصحاء في ذات الوقت، وجدت فيهم من الطاقة والحماسة ما شجعنى على تدريبهم على لعبة الكاراتيه، وليس تمرينات اللياقة فقط».

«يمنى» كلمة السر وأصل الحكاية، في تمسك أيمن بمهمته التي يجد فيها راحة نفسية لا يضاهيها شيء حسب وصفه: «يمنى كانت طفلة من المتدربات الأصحاء، إلا أنها أصيبت بعد فترة بشلل نصفي، وأصبحت عاجزة عن الحركة، كانت لى بمثابة الصدمة، فيمنى طفلة حصدت ميداليات على مستوى الجمهورية في أكثر من بطولة».

منذ عامين رن هاتف «أيمن» والدة يمنى: «يا كابتن يمنى اقتنعت وهترجع تمارس لعبة الكاراتيه» يقول المدرب: «كانت مكالمة بمثابة قبلة الحياة، فهى الطفلة التي أصبحت شابة تدرس الهندسة بجامعة الإسكندرية الآن، وأحد أهم أبنائى النبهاء، تربطنى بها علاقة أبوية عميقة فهي الابنة التي لم أنجبها».

أنهى المكالمة وتنفس الصعداء، وعينه تتجه نحو بطولة العالم، ما بين تمرينات للياقة البدنية وتدريبات للقواعد الاحترافية للعبة الكاراتيه قضت يمنى ومدربها عامين كاملين، حصدت خلالهما عدة جوائز آخرها المركز الأول على مستوى الجمهورية، والآن يؤهلها للمشاركة في بطولة العالم للكاراتيه.

لست المعاقَ وفى عيونك همّةٌ.. تُعْلى بناءَ الموطنِ المتباهي
علاقات أسرية جمعت بين المدرب الزاهد في المال وذوى القدرات الخاصة، يلاحقونه أينما وجد، تخطت شيئًا فشيئا ساحات التدريب والأندية، حتى وصلت إلى تبادل الزيارات العائلية، وهو ما نال استحسان ذويهم، وجعلهم بطريقة أو بأخرى يفكرون في دعم كابتن أيمن ماليًا دون أن ينال ذلك من كبريائه، فبدأوا مؤخرًا تجميع مبلغ مالي، بعضه يذهب لإصلاح مرافق مركز العجمي لتدريب الكاراتيه، وما يتبقى يتركونه مع أحد مساعدي الكابتن.

أيمن سلام، بابتسامته التي باتت جزءًا من تقسيمات وجهه، يعدد بكل فخر البطولات والجوائز التي فاز بها أبناؤه، والتي كان آخرها بطولة عروسة البحر المتوسط في مايو الماضي، حصدوا المراكز «الأول والثاني والثالث والرابع والخامس» وكذلك المركز الأول في بطولة الجمهورية.

«رسالة وبأديها، هما يستاهلوا أكتر وأنا وهبت حياتى عشانهم.. هما وأولادي وطول ما قادر أساعدهم وفيه نفس.. مستحيل أتأخر عنهم، دول البركة اللى في حياتي، وربنا كارمني بسببهم».
الجريدة الرسمية