3 زعماء.. والقرن الأفروآسيوي
الأسبوع الفائت، استعادت ذاكرة المصريين، سيرة ثلاثة زعماء، قلَّما يغيبون عن ذاكرة إنسان.. أولهم عبد الناصر، حيث كانت الذكرى المائة لميلاده العطر.. والثاني هو جواهر لال نهرو، زعيم الهند العظيم، ووالد الزعيمة العظيمة أنديرا غاندي.. والثالث جوزيف بروز تيتو، زعيم يوغوسلافيا.
وعندما يجتمع ذكر الثلاثة العظام في مكان واحد، فغالبًا ما يكون هذا المكان هو منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية.
في الاحتفال بالعيد الستيني لإنشاء المنظمة، التي رأت النور على أيدي أولئك العماليق، في باندونج بأندونيسيا، وبعد أن تحقق الهدف الأساسي من تدشين المنظمة، باستثناء الشعب الفلسطيني، شدد الدكتور حلمي الحديدي، على ضرورة التصدي بكل قوة وحزم لمحاولات تقويض كيان الدول الأعضاء، وتجزئتها إلى دويلات قزمية، والتصدي الجماعي والمشترك للعنف والإرهاب، وتجفيف منابعه ممثلة في الدول التي توفر له المال والسلاح والملاذ الآمن للإرهابيين، بل والغطاء السياسي، إلى أن يتم اقتلاعه من جذوره.
ودعا رئيس المنظمة إلى التفكير في دور جديد لحركة عدم الانحياز؛ في ظل ما أصاب عالمنا من تغيير كبير، واقترح أن يكون هذا الدور هو إنهاء الحروب التي تنشب بالوكالة في العالم الثالث.
أثار الانتباه ما سرده الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب الأسبق، أستاذ العلوم السياسية، من أقوال مأثورة عن "نهرو"، حيث قال: "السياسيُّ لا يمكن أن يكون إلا متفائلًا؛ لأنه يراهن على الشعوب التي تنتصر في النهاية". "نهرو" كان خلال الربع الثالث من القرن العشرين واحدًا من كبار الزعماء الذين جددوا في الفكر السياسي وفي أساليب الحكم، بل حتى في الأخلاق السياسية، ولا سيما في بلدان ما كان يسمى "الدول النامية".. هو البانديت جواهر لال نهرو.
واصل النضال ضد الاستعمار الإنجليزي، سائرًا على خطى أستاذه "غاندي" في سياسة اللاعنف، ومبادئها، واعتبر العمل السياسي عملًا رسوليًا، مانعًا بذلك أي عقبة من أن تسد طريقه، ولا حتى السجون التي أقام نهرو فيها معتقلًا، تسع مرات خلال الحقبة بين 1922 وبداية الأربعينيات... ولا حتى المآسي العائلية الخاصة.
لم ينجح في منع تقسيم الهند واستقلالها، واغتيل معلمه وصديقه غاندي، كان أول رئيس حكومة للهند المستقلة... وكان من كبار سياسيي العالم في زمنه.
وثاني الزعماء العظام هو الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، الرجل الذي كان له حضور طاغ زهاء نصف قرن، ومثل علامة سياسية بارزة في أحداث القرن العشرين، ومثلما كان مثيرا للجدل في حياته وتوليه للحكم كان أيضا مثيرا للجدل بعد وفاة وانهيار الصرح اليوغسلافي الذي بناه.
تولى تيتو السلطة في يوغسلافيا لم يوقف الفتن فقط، إنما نقل بلاده إلى مرحلة الاستقرار، ومن ثمّ إلى مساندة حركات التحرر العالمية، ولم يكن النهج الاشتراكي الذي سلكه تقليدًا للآخرين أو تابعًا لهم، إنما كان ذا طابع وطني بعيدًا عن النظريات الجاهزة، وينسجم مع مصالح المجتمع اليوغسلافي وأهدافه.
نادى بتعدد الطرق للوصول إلى الاشتراكية، واستمر في سياسته المرتبطة، أولًا بمصلحة بلاده وتأييد فكرة التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة في العالم ثانيًا، وعُرفت هذه الرؤية الجديدة باسم «التيتوية»، واستخدمها السوفييت لنعت الشيوعية اليوغسلافية بالرجعية، وما لبث الاستخدام أن توسع ليشمل كل التيارات الشيوعية التي نادت بتعدد الطرق إلى الاشتراكية وضرورة الحفاظ على الاستقلالية الوطنية، ومع أن العلاقات مع السوفييت صارت أفضل بعد رحيل ستالين، فقد بقيت سياسة تيتو مستقلة عن الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، مستغلةً حقائق توازن القوى في أوربة، وإقامة علاقات وثيقة مع دول العالم الثالث، وكان من نتائج هذه السياسة اللقاء مع الزعيمين نهرو وجمال عبد الناصر، وانعقاد مؤتمر باندونج، ومن ثمَّ ظهور حركة عدم الانحياز التي أسهمت في سياسة الحياد الإيجابي التي تبناها هؤلاء الزعماء.
أثبتت مناقشات المؤتمر، الذي استضافته القاهرة، أن الولايات المتحدة، وإن لم تزل بعدُ نمرًا، لكنه يكاد يكون من ورق، مع صعود الصين الشعبية، وروسيا الفيدرالية.. ولعل فشل "ترامب" في مواجهة إيران وكوريا الشمالية يؤكد أن أنياب النمر الأمريكي لم تعد بنفس القوة.
ولفتت الانتباه إلى أن الصينيين ظلوا فترة طويلة في صعود وتقدم دون الإعلان عن ذلك، بل كانوا يقولون عن أنفسهم، بكل تواضع، نحن دولة نامية.. إلى أن فاجأوا العالم أخيرًا.
ومن الملاحظات الجديرة بالإشارة أن هناك بعض الدول الأفريقية تنمو بمعدلات مهولة.. 20% مثلًا، ومن هذه البلدان إثيوبيا وكينيا.
ومن ثمَّ سادت توقعات أن يكون القرن الواحد والعشرين قرن آسيا، وتمنى الجميع أن ينتهي القرن "أفروآسيويًّا".