رئيس التحرير
عصام كامل

من رحم المعاناة.. «شامية» بائعة «فلافل» وطالبة دراسات عليا (صور)

فيتو

وجه نضر وملابس «كاجول»، ملامح تكسوها «الرتوش» الخفيفة بفعل «الماكياج»، وأذنان صغيرتان تحمل أقراطا فضية متناثرة على حوافها، وخفة حركة وتمايل.. جميعها تفاصيل انهالت على «شامية» الفتاة العشرينية بائعة «الفلافل والبطاطس» بمنطقة السبتية، ليست كوجه «بياعة الطعمية» المتعارف عليه في مِصرنا، «لا تهرول في جلباب فضفاض و(قمطة رأس) تخفي ملامح وجهها، فقط ترتدي تي شيرت وبنطلونا، تعقد شعرها الأسود بـ «توكة» فضية.


في تمام الثالثة فجرا تستيقظ «قمر» أو «شامية» كما أطلقت عليها والدتها منذ كانت في السادسة من عمرها، تنادي على «أمل» ووالدتها، بأن يستيقظا لإعداد الأواني الخاصة بالفلافل، وجوال البطاطس والزيت، «هي أنشط واحدة فينا، وبتصحى أول واحدة، علشان تلحق تخلص قبل ميعاد الجامعة بتاعها»، تتحدث والدة شامية، صاحبة «ناصبة الطعمية» بمنطقة السبتية منذ 5 سنوات.

23 عاما عمر شامية، قضت نحو 5 سنوات منهم بين آنية الزيت، وأرغفة الخبز، منذ الرابعة فجرا وحتى العصر، ثم تتحول إلى طالبة دراسات عليا بكلية الحقوق جامعة القاهرة، الشعبة الإنجليزية، ومحامية تجوب مكاتب المحاماة بحثًا عن فرصة عمل، وتقول والدة شامية «أنا من وقت ما أبوهم سابنا وطفش وأنا حريصة على تربيتهن وتعليمهن».

لـ«شامية» شقيقتان هي أوسطهما، «أخت شامية الكبيرة لديها ولدان وتحمل شهادة الثانوية العامة وزوجها توفي بأحداث ثورة يناير وأنا أعولها، وأخت ثانية في الثانوية العامة»، تتحدث والدتها.

حينما ذهب والد شامية لسيدة أخرى، تزوجها وظل بعيدًا عنهن، رأت والدتها وقد أصيبت بخشونة ومياه على ركبتيها، من كثرة الوقوف أمام مقلاة الزيت، قررت أن تترك أنوثتها في المنزل والجامعة، وتنزل إلى الشارع، تحتك بالشعبي و«الكاجول»، «أنا بقف هنا زي الرجل محدش يتجرأ يكلمني»، طبيعة ملابس شامية وملامحها التي يغلب عليها طابع الأنوثة رغم كل شيء، وكأن الشقاء أبى برغم الخمس سنوات، أن يزيل الملائكية عن وجه شامية.

«أنا عندي امتحان الساعة 3 النهاردة، صحيت من 3.30 فجرًا وكنت هنا 4 إلا ربع، وخلصنا العيش اللي قدامنا وقدرة الفول، والحمد لله رزق النهاردة حلو وهقدر أشتري الملازم»، بيد شامية مغرفة البطاطس، وبالأخرى هاتفها «التاتش» تراجع المنهج مع زميلاتها على «واتس آب»، بينما تحضر ملزمة المراجعة النهائية، من أسفل منضدة الخبز، تلقى نظرة عابرة ثم تعود لعملها.

«نفسي تنجح في الماجستير وتعمل دكتوراه وتتعين في الجامعة، وترحمني من وقفة الشارع، ومن دروس أختها اللي بتعدي 2000 جنيه، وبعدين أشوفها في بيت ابن الحلال»، أم شامية تحمل حلم ابنتها عنها، تتقاسمانه معًا، على «ناصبة الفلافل».
الجريدة الرسمية