رئيس التحرير
عصام كامل

4 مانشيتات وثقت انتفاضة الخبز 77.. الأهرام: «تنظيم شيوعي وراء مظاهرة التخريب».. الأخبار: «مظاهرات عن الأسعار تتحول إلى مؤامرة».. وروز اليوسف: «العمال والطلبة رفعوا صور عبد الن

فيتو


في ١٧ يناير 1977، وقف الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية ووزير التخطيط، تحت قبة البرلمان، ليعلن عن إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، وضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أيضا، لتدبير الموارد المالية الإضافية اللازمة، تطبيقًا لسياسة «شد الحزام» أحد مصطلحات السادات الشهيرة.


امتلاء الميادين
لا يكاد يوم ١٨ يناير يبدأ، حتى أعلن قرار رفع الدعم عن اللحوم المذبوحة والصابون والدقيق الفاخر والشاى والسكر الحر والسجائر والبنزين، وبالإضافة إلى ٢٥ سلعة أخرى، بزيادة ما بين قرش وقرشين صاغ، ما كاد أن ينتشر الخبر حتى امتلأت الميادين تهتف ضد «السادات»، وممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك، والدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، صاحب مقترح رفع الدعم، وسيد مرعي، رئيس مجلس الشعب حينها.

«يا ساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور»، «يا حاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين»، «سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه»، «عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم من العمال»، «هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة»، «بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض».

انتفاضة الحرامية
حالة من الغليان بدأت من القاهرة والإسكندرية وامتدت في باقي المحافظات استمرت خلال يومي ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، شارك فيها جميع فئات الشعب، ولعب العمال وطلاب الجامعات دورًا رئيسيًا، يقول بعض ممن عاصروا الحدث أن التظاهرات كادت أن تمنع «السادات» نفسه الذي أصر أن يصفها بـ«انتفاضة الحرامية» من الوصول للعاصمة، حيث كان متواجدا حينها في محافظة أسوان ينتظر جوزيف تيتو، الرئيس اليوغسلافي حينها، وبعد محاولات تمكن «السادات» من دخول القاهرة.

لم تكن الصحف المصرية ترى هذه التظاهرات بمنطقٍ موحد، وإنما تباينت في تصنيفها ووصفها، عادةً ما تأتي جرائد الأهرام والأخبار والجمهورية معبرين عن الموقف الرسمي للدولة ولسان حالها، وهو بالفعل ما حدث في التناول الصحفي لتظاهرات ١٨ و١٩ يناير، انطلقت من نظرية المؤامرة والتخريب فوصفتها بانتفاضة «الحرامية»، «التخريب» التي تستهدف مصر، وجب التصدي لها بكل قوة وحزم، بل ورسخت بعض مقالات الرأي التي نشرت في تلك الصحف إلى هذه الرؤية، وراحت تؤكد أن وراءها مجموعة من اليساريين والشيوعيين، بعضهم يحمل صورة «عبد الناصر»، يخربون المرافق العامة وإشعال الحرائق وتحطمون وسائل النقل وكادت العاصمة أن تتعرض لمأساة كحريق القاهرة في يناير ١٩٥٢.

إعلان الطوارئ
الأهرام: «بدأت المظاهرات في الإسكندرية والقاهرة في مواقع محدودة بتحريض من عناصر ماركسية».. الأخبار: «مظاهرات عن الأسعار تتحول إلى مؤامرة تخريب».. و«الجمهورية»: المحتجون أحرقوا كازينوهات «الهرم» وسرقوا السجاد و«الصينى».. بينما «روز اليوسف»: اتهام اليساريين بالتخريب «تسطيح».. وقالت أيضا: «من خرج صباح ١٨ يناير هم العمال والطلبة ورفعوا صور «عبد الناصر» واكتفوا بالهتاف».. نماذج من عناوين الصحف والمجلات في تناولها للانتفاضة.

«إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال» عنوان رئيسي تصدر جريدة الأهرام، بل كل الصحف المعارضة للانتفاضة والمؤيدة لها، فمع ارتفاع وتيرة الغضب، أصدر رئيس الجمهورية قرارًا بفرض حظر التجوال من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة صباحًا، ونزول قوات الجيش للسيطرة على أعمال «التخريب» و«الشغب» وفقًا للخطاب الرسمي.

«كشف تنظيم شيوعي سري وراء مظاهرات التخريب».. «وتخفيف ساعات الحظر وبحث إلغائه اليوم»..عنوان ترأس الصفحة الأولى لجريدة الأهرام في العدد الصادر يوم ٢٠ يناير، وهو ما يفسر وراءه حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت المشاركين في «انتفاضة الخبز» وجاء من بين قائمة أسماء المعتقلين المهندس كمال خليل، الحقوقي أمير سالم،‮ ‬الشاعر أحمد فؤاد نجم،‮ ‬الشاعر سمير عبد الباقي،‮ ‬المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، طلعت رميح، محمد عزت عامر،‮ ‬ومن بين الصحفيين حسين عبد الرازق، عبد القادر شهيب، رشدي‮ ‬أبو الحسن، الفنان زهدي‮‬، رسام الكاريكاتير‮.‬

روز اليوسف
لم يتوان رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية من تشويه الانتفاضة وتأكيد نظرية المؤامرة، فتساءل مصطفى أمين، في عمود «فكرة» في جريدة الأخبار، بعد مرور ٢٥ عاما على حريق القاهرة، هل هذه التظاهرات محاولة أخرى للتخريب؟ بينما أكد موسى صبري في مقال بعنوان «ماذا تريد موسكو» أن روسيا ثمنت الاضطرابات في مصر ودعمت المخربين ماديًا وإعلاميًا.

«إيقاف قرارات رفع الأسعار.. واستمرار العلاوة الإضافية».. هكذا قالت جريدة الأهرام.. وفي الجمهورية جاء :«وقف العمل بزيادة الأسعار.. والعلاوة الإضافية مستمرة».. عناوين تصدرت رءوس الصحف القومية في الأعداد الصادرة يوم الجمعة ٢١ يناير، بعدما أجبر السادات وزيره «القيسونى» صاحب الزيادات على إلغائها، لينهي بعدها حياته السياسية في حكومة ممدوح سالم الرابعة التي تشكلت في أواخر أكتوبر ١٩٧٦.

انتقاد الحكومة
عقب الاعتقالات غرد عبد الرحمن الشرقاوي، رئيس تحرير مجلة روزاليوسف، خارج السرب، وقتئذ بمقال حمل عنوان «الوحدة في مواجهة المخربين»، الذي ثمن فيه تراجع السادات عن القرارات الاقتصادية الأخيرة، سبب الأزمة، وأخذ يؤكد أن اليسار يستخدمون الوسائل الديمقراطية في انتقاد الحكومة وليسوا ضد النظام، وأن الشعب بكل فئاته بما فيه الشيوعيون والماركسيون لا يملكون وسيلة للمعارضة إلا التعبير بالكلمة ولا ينتهجون منهجًا تخريبيًا، وربما كانت مواقف «الشرقاوي» المعارضة لقرارات السادات أحد أسباب عزل الأول.

في ٢٣ يناير كتبت الأهرام «رفع حظر التجول وسحب قوات الجيش من الشوارع».. أعلن الرئيس عن رفع حظر التجوال، والحكومة في حالة انعقاد دائمة للخروج من الأزمة الاقتصادية، وتبعات انتفاضة «الحرامية» وكشف ألاعيب المؤامرة التي تحاك ضد مصر بوكالة من تنظيمات سرية تخريبية، وأكد السادات أنه لا مساس بغذاء الشعب وكسائه، الذي اتخذته جريدة الأخبار عنوانًا رئيسيًا لها.

«ضبط وثائق الخطة الكاملة لحرق القاهرة مع أعضاء التنظيم الشيوعي السري».. «تفاصيل جديدة تكشفها التحقيقات مع العناصر المحرضة على التخريب»، عناوين رئيسية لعدد الأهرام ٢٥ يناير، بينما جاءت مانشيت الأخبار في العدد الصادر ٢٦ من ذات الشهر «٤ تنظيمات شيوعية سرية»، نشروا خلالها التحقيقات الأولية للنائب العام مع معتقلي الانتفاضة، والتي حملت المسئولية للشيوعيين باستغلال القرارات الاقتصادية في تنفيذ مخطط يستهدف قلب نظام الحكم وإشاعة الفوضى في البلاد.
الجريدة الرسمية