عبدالرحمن بدوى.. الوجودى المؤمن 2
بدأ الدكتور عبدالرحمن بدوي حياته مؤمنا بالفكر الوجودي الذي يُمجّد الإنسان ويُعلي من قيمته، ويؤكد أنه صاحب تفكير وحرية وإرادة ولا يحتاج إلى موجّه ويعارض كل ما يحدُّ من حريته من الأفكار والغيبيات، والإيمان المطلق بالوجود الإنساني واعتباره أقدم شيء في الوجود، فيميل هذا الفكر إلى الإلحاد أحيانا، وقدم بدوي العديد من المؤلفات والترجمات التي تروج لهذا الفكر الذي وضع جملة «عش كأن لا إنسان عاش قبلك، وكأن لا أحد سيعيش بعدك» نصب عينيه، بحسب "رضا هلال".
وبالنظر إلى هذا التوجه الفكري لبدوي.. نجد أنه أثار الكثير من الدهشة في الأوساط الفكرية والفلسفية عندما قدم كتابيه «دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد منتقديه»، و«دفاع عن القرآن ضد الطاعنين فيه» والصادر بالفرنسية، حيث كان الكتابان بمثابة انقلاب في فكره، بما فيهما من دفاع عن الرسول والإسلام.
وقال بدوي في حديث له مفسرا ذلك: «إنني أزحف منذ بداية حياتي الفكرية على جبهتين، جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر الإسلامي، ولا أراني ظلمت جبهة على حساب الأخرى».
ويقال: إن للفكر الوجودي شقين: شقا إلحاديا وشقا إيمانيا، وأن عبد الرحمن بدوي على الرغم من إيمانه بالوجودية، إلا أنه يُحسب على الشق الإيماني فيه وليس الإلحادي، فقد استغرق في أوضاع الإسلام والمسلمين في العالم، واطلع على كتب المستشرقين الذين تناولوا قضايا الإسلام، وانتقد العديد منها والتي افترى مؤلفوها فيها على الإسلام، وقام بالرد عليها بنفس الأسلوب الذي اتبعوه في استخراج الأحداث التاريخية فكشف ضلالهم.
من المعروف - كما يقول فتحي عامر - إن باريس كانت المحطة الأخيرة لعبدالرحمن بدوي، حيث استقر فيها بشكل متصل على مدار ربع القرن الماضى، في غرفة بفندق «لوتسيا» يخرج منها كل صباح سيرا على الأقدام إلى دار الكتب الأهلية، فيجلس في المقعد المخصص له من السابعة صباحا حتى السابعة مساء ليقرأ ويكتب وينتج كل عام كتابين تأليفا أو ترجمة أو تحقيقا.
في السنوات العشر الأخيرة من عمره انقطع عبدالرحمن بدوي للدفاع عن الإسلام في مواجهة الحملات المسعورة في الغرب ضده، فأنتج 15 كتابا منها «دفاع عن القرآن ضد منتقديه» و«دفاع عن النبي محمد ضد المنتقصين لقدره»، ومنها ترجمته للسيرة النبوية إلى الفرنسية، وكان بدوي قد أنتج نحو 200 كتاب حسب آخر إحصاء ذكره المفكر محمود أمين العالم، وقبل خمس سنوات قال أحد ناشريه: إن كتبه تجاوزت 150 كتابا منذ كتابه الأول عن نيتشه الذي صدر عام 1939.. ونكمل غدا.