لماذا يعاني الناس من الفقر رغم تحسن الاقتصاد؟
عندما زرت القاهرة مؤخرًا، كنت أعتقد أني في حاجة لسؤال الناس عن حياتهم الميعشية، حتى أستطيع تقييم الوضع الاقتصادي. في كل مرة كنت أستخدم التاكسي كان السائق يتحدث قبل أن أساله عن صعوبة الحياة، والظروف الاقتصادية الخانقة، وعدم اهتمام الدولة بالفقير.
الغريب في الأمر أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تتناقض مع ما يعانيه الناس، فشبكة "سي إن بي سي" CNBC نشرت تقريرا حديثا، يرصد التطورات الإيجابية في الاقتصاد المصري. فالاستثمارات الأجنبية في البورصة المصرية وصلت إلى أعلى معدلاتها منذ عام 2010. كما أن استطلاع الرأي الحديث الذي قامت به وكالة "رويترز" عن مستقبل الاقتصاد المصري، أكد أن مصر ستتمتع بنمو اقتصادي يصل إلى 4% خلال عامي 2018 & 2019.
كما أن الصادرات المصرية زادت بنسبة 9% عام 2017 لتصل إلى 21 بليون دولار أمريكي مقارنة بـ 19.3 بليون دولار في عام 2016. وكالة الأنباء نفسها، رويترز، أشارت في تقرير في ستبمر الماضي، إلى أن السياحة المصرية حققت أرباحًا بزيادة وصلت إلى 170% في السبعة شهور الأولى من عام 2017. التناقض بين تحسن الاقتصاد وشعور الناس بازدياد الفقر دفعني إلى البحث عن الأسباب التي تحول دون شعور المواطن المصري بتحسن الاقتصاد.
عمر الشنيطي، مؤسس "مجموعة مالتبيلز للاستثمار"، وهي شركة لإدارة الأصول والاستشارات المالية، كتب لموقع "سي إن إن العربية" تحليلا اقتصاديًا فسر فيه هذا التناقض. فتحسن الوضع الاقتصادي لا ينعكس على حياة المواطن البسيط، بسبب ارتفاع "مؤشر البؤس". مؤشر البؤس الذي أطلقه الاقتصادي الأمريكي "آرثر أوكون" في فترة حكم الرئيس "جونسون" يتم حسابه من خلال معرفة معدلات البطالة والتضخم، ويقيس معدل البطالة مقارنةً بإجمالي القوة العاملة فى السوق، ويقيس معدل التضخم من خلال قياس نسبة زيادة أسعار السلع والخدمات الرئيسة في السوق.
يقول "عمر الشنيطي" إن مؤشر البؤس ارتفع من 12% عام 2000 إلى 16% عام 2008 ثم عاد ليرتفع قبل ثورة 25 يناير إلى 27% ثم انخفض بعدها إلى 20%. غير أنه ارتفع خلال الثلاث سنوات التي أعقبت الثورة حتى وصل إلى 23%. التصور الحالي لمؤشر البؤس يشير إلى أن مؤشر البؤس وصل إلى 23.9%، حيث بلغ معدل البطالة إلى 13.3% ومعدل البطالة إلى 10.6%.
زيادة الأسعار وعدم شعور المواطن بتحسن مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة بشكل عام يؤدي إلى حالة من التشكيك في دقة التقارير الاقتصادية السابقة.
محمود عسكر، الصحفي بصحيفة اليوم السابع فسر التناقض بين إيجابية المؤشرات الاقتصادية وشعور المواطن بالفقر، قائلًا إن المواطن لن يشعر بتغيير حقيقي "إلا عندما يذهب لقضاء خدمة عامة فلا يصطدم بالإهمال و«فوت علينا بكرة» أو الرشوة أو البحث عن واسطة لقضاء حاجته، وعندما يذهب للمستشفي فيجد من يهتم به ويحرص على تقديم الكشف الطبي والدواء اللازمين."
ويبدو السؤال إذن، هل يتحسن الاقتصاد على الورق فقط؟ البعض يشكك في دقة المؤشرات الاقتصادية بينما يرى البعض أن السبب في استمرار حالة الركود في مصر. هناك أسباب أخرى لعدم شعور المواطن بالنمو الاقتصادي، من بينها زيادة أسعار بعض السلع، بالإضافة إلى القرارات التقشفية الكثيرة مع ثبات الأجور.
حسنًا متى يمكن للمواطن أن يشعر بالتحسن؟ محمد عبدالحكيم، الخبير الاقتصادي، والرئيس التنفيذي لبرودنت للاستشارات الاقتصادية، يقول إن ذلك سيحدث عندما يكون معدل النمو أعلى من معدل التضخم مع عدالة نسبية في التوزيع. وحتى يحدث ذلك على المواطن أن "يشد الحزام". تقشف المواطن لن يواكبه تحسن الوضع الاقتصادي، فالمواطن البسيط يريد أن يشعر بالأمان الاقتصادي في الحقيقة وليس على الورق فقط.