تعديلات بلا طعم
يعتبر التعديل الوزاري في مصر واحدا من الأسرار الحربية، وهو عادة يكون بلا مبرر جماهيري، بمعنى أنه لا يجري وفق تقارير تشير من قريب أو بعيد إلى فكرة الأداء الحكومي، خاصة وأننا منذ ثورة يناير لم نشهد من بين التعديلات والتغييرات الوزارية وزيرا سياسيا بالمفهوم الاحترافي، وما حدث طوال تلك الفترة مجرد تغيير في الوجوه.. جاء الوزارة وزراء لا تتذكرهم الجماهير بعد رحيلهم بل ولا يزال في الوزارة المعدلة شخصيات ربما لا يتذكرها المواطن لأنها باختصار لم تترك علامة ولم تزرع أمارة!!
قبل يوليو ١٩٥٢م كان مصنع الأفكار السياسية يعمل بكامل طاقته وكان للوزراء شخصيات كاريزمية لا تزال تبوح بأسرارها حتى اليوم.. كان الوزير علما قبل وصوله إلى الوزارة فأضاف إلى موقعه من بنات أفكاره أطروحات لا تزال حية حتى اليوم، باختصار لأن مصنع السياسة كان له دور كبير، فكانت الأحزاب السياسية مفرخة حقيقية لوزراء سياسيين يعرفون قدر التحرك وسط الجماهير.
ومع نهاية عصر الأحزاب وبداية التنظيم الواحد فقدت البلاد واحدا من أهم روافد صناعة القادة، وباتت تدور حول زعيم وحيد لا نظير له، يفعل ما يريد وقتما يشاء.. عادت الأحزاب في السبعينيات بملامح سلطوية جديدة على الساحة بعد أن ولدت من رحم النظام، فلم تستطع أن تغير من عجلة الحياة ولم تقو على حماية البلاد من التغيير الثوري في يناير ٢٠١١م، ودُفعنا دفعا إلى الثورة والثورة المضادة فلم نستطع خلق حياة حزبية جديدة من القاعدة إلى القمة.
منذ ١٩٥٢م وسلطة الوزارة مقسمة بين قضاة وأساتذة جامعات وعسكريين ورجال شرطة وحتى اليوم، يبحث الصحفيون عقب كل تسريب عن تعديل وزاري بين الفئات الأربع عن الوزراء القادمين، والنتيجة حياة سياسية مصابة بسكتة دماغية لا تنجب وزيرا قادرا على الفعل الجماهيري، وفي النهاية يتعامل المواطن مع الأمر على أنه لا يخصه وإنما يخص النخبة الحاكمة.. المواطن ليس مشغولا بالأسماء فالأمر لن يزيد عن "شالوا ألدو حطوا شاهين"!!