رئيس التحرير
عصام كامل

ساويرس.. «رجل من الجنوب»


لا تمضي أيامه رتيبة، مثلما ينشغل أصحاب الأعمال الكبيرة بذات التفاصيل، فعادة ما يكون حجرا في بحيرة راكدة، أو صوتا عاليا عندما تكون الدنيا ساكنة، أو سابحا ضد التيار عندما يمضي الجميع في طريق اعتيادي ممل، ربما كان انتماؤه إلى صعيد مصر، هو ما منحه هذا «العند» حتى لو كان ضد ما نتصور أنها مصالحه، وربما لأنه جوزائي- من برج الجوزاء- فهو على غير ما تتوقع، وربما لأنه صاحب تجربة بدأت من الصفر، فهو متنقل بين القمة والقاع.


في الوقت الذي تحسده على ثرائه، لا تندهش عندما تجده مشغولا بمن يعيشون على الهامش، فهو صاحب مهارة في التعبير عن البسطاء، فعندما سألوه عن «الغنى» قال: مجرد «شقة وعربية وأموال يعلم بها أولاده».. لا يعيش سنه، فهو راغب في السباحة مع الشباب، منطلق حتى تحسبه يعاني فراغا يقضيه بين حفلات يهواها، أو سينما أدمنها منذ الصغر، أو حتى اللعب على الـDJ الذي أعلن أنه سيكون هوايته بعد اعتزاله!!

كان الطفل نجيب أنسي ساويرس نحيل الجسد، ينطبق عليه قول الشاعر“كفى بجسمي نحولا أنني رجل.. لولا مخاطبتي إياك لم ترني”.. غير أنه كان محملا بطاقة جنوبية تدفعه دفعا لمقاومة أصحاب البنى الضخمة في مثل سنه إن عاندوه، كان زميله في ذات المدرسة قوى البنية، ويشغل نفسه بكراهية نجيب، يشتبكان فتنهار قوى الطفل النحيل أمام قوة زميله فلا يستسلم، بل في صباح اليوم التالي يقف نجيب خلف جدار ليتهيأ الفرصة، يقفز في الهواء لا كما صاحب الجسد القوى في وجهه، ثم تنتهي المعركة بضربات متتالية من الخصم العنيد، تتكرر المعركة دون أن يفقد نحيل الجسد قدرته على المبادأة!!

يعيش أزماته بشكل مغاير لما يتوقعه أصدقاؤه، قبل خصومه، فعندما تعرض لما يجعله مُفرّطا في واحدة من أكبر شركات المحمول في مصر، كان شعاره «إنما نزلت لأصعد كرة أخرى» يخوض معاركه بشراسة، حتى إن كان منفردا، تستطيع أن توجه له أعنف انتقاد، فيكون هادئا في حواره معك، لكن حذار إذا ما اقترن نقدك بالمساس بكرامته، ساعتها لن تجد مساحة مشتركة معه مرة ثانية مهما فعلت.

اندهش البعض عندما قال الإعلامي الذي أثار جدلا كبيرا في الساحة توفيق عكاشة: «إن لديه مستندات على نجيب ساويرس، وخاض معركة على قناته ضده، وعندما سقط من فوق جواده، وعندما انقلبت الدنيا كله ضده، وعندما خُلع من البرلمان خلعا، كان صوت نجيب ساويرس على الهاتف أول من يهمس في أذنه: «لا تقلق فإن احتجت شيئا فأنا قريب منك».. باختصار لا ينسى نجيب ساويرس للناس أدوارها وإن اختلفوا معه، وهو ليس مثاليا إنما صادق مع نفسه، يعلن ما يدور في داخله، وإن كلفه ذلك الكثير، متصالح مع نفسه، ولا يسقط في مستنقع «التورط».

أحد المواطنين علق عليه في تويتر «أنت ترد على كل الرسائل.. بتعمل فلوسك إزاي» فجاء الرد مباغتا: «عملتهم خلاص»!

نجيب هو صاحب رؤية دينية مصرية خالصة، هو مسيحي مسلم، يرى أن المسلم المصري أقرب إليه من أي مسيحي أجنبي، ولا يجد غضاضة في تقبيل يد شيخ الأزهر، ويواجه عاصفة الانتقاد في هذا الأمر، بالعودة إلى جذوره الصعيدية التي تعلي من قيمة احترام الكبير، شيخا كان أو قسيسا أو مواطنا بسيطا.

يستمد من الأب المؤسس طريقة تربيته لأولاده، ابنه منذ طفولته اعتاد مشاهدة مباريات كرة القدم في الدرجة الثالثة، يعود نجيب إلى شبابه أيام الإجازات وسفره للعمل بدول أوروبية، ليبدأ بالعمل في غسيل الصحون، ويترقى للعمل بأحد جراجات السيارات إلى أن يصير واحدا من أكبر رجال الأعمال في العالم، يفخر بهذا الماضي، ولا يتنكر له، ساعيا لاكتشاف أفكار الشباب أيا كانت المنطقة الاجتماعية التي ينحدرون منها.

نجيب ساويرس ليس مسيحيا يسير «جنب الحيط»، بل هو مصري يؤمن بمصريته، له ما للمصريين وعليه أضعاف ما عليهم، يرفض الحلول الوسط، أو البحث عن مصالحه إن تعارضت مع مصالح بلاده، حينما اندفع عدد كبير من رجال الأعمال صوب بوصلة السياسة الجديدة في مصر، بعد ثورة يناير ووقفوا طوابير أمام بيت المرشد، كان لنجيب موقف مغاير تماما لما تقضيه حالته الدينية، في مجتمع أخرج ساعتها من جعبته كل صور العنصرية والتهميش والإقصاء.

اختار ساويرس أن يكون في الصف الثاني رغم مصالحه، ورغم تهديدات وجبروت جماعة إرهابية، وجدت أن نجيب حجر عثرة في طريقها، رفض بإباء كل الحلول التي تجعله مواطنا درجة ثانية، وعندما دفع ما دفع.. كان ذلك تحت وطأة الضغط الأبوى الذي يعتبر نقطة ضعفه الأهم، دفع وظل صامدا في مواجهة التنكيل به، هذا الصمود يتكرر عندما تعلن الإدارة الأمريكية خفض معوناتها، يعلن وبجرأة: إننا لن ننكسر أمام المعونة.

في ساعة الصمت التي تلزم الجميع بسكوت مخيف، يكون هو على غير ذلك.. في المملكة العربية السعودية يقبضون على أمراء ورجال أعمال، كل رجال الأعمال العرب يلتزمون الصمت، إلا هو حيث يخرج نجيب ساويرس مدافعا عما يتصور أنه الحق، مدافعا عن بعضهم ممن يعرفهم، ومحذرا بإخلاص من تداعيات ذلك على الاستثمار في المملكة، وعندما يعلن الفريق أحمد شفيق ترشحه للرئاسة، يقف أصحاب الأعمال صامتين في انتظار «تعليمات» لا تأتى، فيخرج نجيب معبرا عن رأيه المناهض لشفيق بقناعات ترتبط بالمرحلة.

في مشروعاته الإعلامية المتعددة يؤمن نجيب أن للإعلام دورا مهما، بعيدا عن فكرة المكاسب والخسائر المادية، وعلى الرغم من أن خروجه من واحدة من أشهر وأفضل القنوات الفضائية الإخبارية في مصر (أون تى في) مفاجأة مدوية في حينها، فإن دخوله إلى يورو نيوز كان أيضا مفاجأة غير متوقعة غير أن العام ٢٠١٧ شهد خروجه من المصرى اليوم دون مفاجآت، فقد أعلن غير مرة أنه راغب في ذلك وغير مجبر.

ويظل نجيب ساويرس كما هو حالة من التصرفات العنيدة أحيانا، والمشاكسة أحيانا، والهادئة نادرا، غير أنه يبقى هو ذلك الصعيدى الذي لا يزال يحتفظ بملامح السوهاجية في معظم تصرفاته!!
الجريدة الرسمية