رئيس التحرير
عصام كامل

«مكارثية» انتخابية


بعض الذين سارعوا بممارسة "المكارثية السياسية" أمس واتهموا الفريق سامى عنان بأنه يمثل القوى المضادة لثورة 30 يونيو، يتناسون أنهم أنفسهم يمثلون القوى المضادة لثورة 25 يناير.

إنهم يتجاهلون مثلا أن أحدًا لم ينكر على الفريق أحمد شفيق حقه في الترشح بانتخابات 2013 رغم انتمائه للقوى المضادة لثورة يناير، ورغم كونه أحد أذرع النظام الذي قامت ضده الثورة، ولا يستوعب هؤلاء "المكارثيون" أن ترشح رجل عسكري خاض حربي 67، 73 وترأس أركان القوات المسلحة يزيل الصورة الذهنية التي شكلها الغرب عن النظام الحالى، وينفى شبهة تحول انتخابات الرئاسة إلى استفتاء، ويعطى زخما وتنافسا حقيقيا لانتخابات سوف يشهدها ويتابعها العالم بشغف.

"هؤلاء المكارثيون" هم الوجه الآخر لجوزيف مكارثى ذلك الرجل الذي مارس أبشع أنواع الإرهاب الثقافي ضد الكتاب والمثقفين في أمريكا، وكان رئيسا لإحدى اللجان بمجلس الشيوخ الأمريكي واتهم عددًا من موظفي الحكومة ووزارة الخارجية، بأنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، وكانت النتيجة الزج بأكثر من 200 شخص في السجون ومنهم مارتن لوثر كينج وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن، وطرد 10 آلاف من وظائفهم والتنكيل بهم، ثم تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت بلا أساس وأصدر مجلس الشيوخ في عام 1954 قرارًا بإلقاء اللوم عليه.

من مصلحة مصر ومن مصلحة الرئيس السيسي أن يترشح أمامه شخصيات ذات ثقل، باعتبار أن التنافس الحقيقى في الانتخابات أحد أهم أبجديات الحرية والديمقراطية التي كان ينشدها المصريون عندما ثاروا مرتين ضد نظامين أحدهما سعى لتوريث الحكم، والثانى سعى للتمكين والهيمنة والاستئثار به دون باقى الشعب.

وأنا شخصيا لا أتمنى تراجع الفريق سامى عنان عن ترشحه لانتخابات الرئاسة هذه المرة كما تراجع قبل 4 سنوات أمام الرئيس السيسي، وقال في بيان وقتها "إن تراجعه يأتى إعلاءً للمصلحة الوطنية، وبسبب المخاطر التي تحيط بالبلاد"، فالمخاطر الآن تقلصت بنسبة كبيرة، والمصلحة الوطنية تقتضى التنافس الحقيقى ذلك أن هناك فارقا كبيرا بين مصر الآن ومصر في 2014، عندما كانت في حالة تشرذم، وتحتاج للالتفاف حول رجل واحد هو الذي سيحميها من الانهيار ويحافظ على تماسكها، ووضع روحه على كفه ليخلص شعبها من جماعة جاءت إلى الحكم في غفلة تاريخية لن تتكرر.

وفى أدبيات الحياة، عندما تشرف السفينة على الغرق لامجال لحديث ركابها عن شىء سوى النجاة، ومصر كانت كالسفينة التي تتقاذفها دوامات البحر، لم يكن يعنينا كشعب وقتها أن نثبت للعالم أن نظام الحكم في مصر ديمقراطى أو انقلابى أو ديكتاتورى أو ليبرالى، بقدر ما كان يهمنا نجاة السفينة من الغرق، لكن المشهد الآن صار مختلفا، واحتياجنا لتصحيح الصورة لدى الغرب أصبح له أولوية لكى نثبت للعالم أننا دولة ليبرالية ديمقراطية.

قد يرى كثيرون أن الرئيس السيسي خارج المنافسة، تماما كشخص متمكن واثق من قدرته على الفوز الساحق ويطلب من الآخرين منافسته على خوض السباق معه، لأن كبرياءه يمنعه من الفوز بالتزكية، بدليل أن هناك 484 من نواب البرلمان حرروا توكيلًات للرئيس، وقد يصل عددهم إلى أكثر من ذلك، وهناك ملايين المواطنين وليس 25 ألفا فعلوا الشيىء نفسه، وهناك أيضا 6 حملات جمعت 5 ملايين توقيع لدعم الرئيس ومطالبته بالترشح لولاية ثانية، وجميعها أدلة قوية على شعبية وجماهيرية الرجل وعلى إجماع المصريين عليه.

لكنى أظن أيضا أن الفريق عنان قادر على الحصول على توكيلات بتأييد 25 ألف مواطن في 15 محافظة كما ينص الدستور، ولتكن انتخابات تعددية تقف فيها كل أجهزة الدولة موقف المحايد من كل المرشحين ويشيد العالم بنزاهتها، ونترك الحكم للصناديق.

من المهم أن تشهد ثالث انتخابات رئاسية تعددية في مصر بعد ثورة يناير تنافسا حقيقيا أيا كانت هوية المنافسين للرئيس السيسي، فترشح عنان أو المحامى الحقوقى خالد على أو أي مواطن مصرى تنطبق عليه شروط الترشح، سوف يدحض أطروحات ترى أنه لاداعى لإنفاق نحو 4 مليارات جنيه على انتخابات أقرب إلى الاستفتاء ونتيجتها محسومة، بما يشمله الرقم من تكاليف الإشراف القضائي على الدوائر، وتجهيز المقار الانتخابية داخل وخارج مصر، والأدوات اللازمة لإتمام عملية الاقتراع، وتوفير التأمين اللازم لها من جانب وزارة الداخلية، وهى نفس الأصوات التي تطالب بتوفير هذا المبلغ الضخم وتوجيهه لبنود تخفف عن المصريين حالة المعاناة من الغلاء الفاحش، لانريد أن يزعم أعداء الوطن إن هناك ضغوطات مورست لإخلاء الساحة للرئيس السيسي.

كلمة أخيرة لـ "المكارثيين": لا يوجد خصام بين 25 يناير و30 يونيو، ولكن هناك معركة بين المضارين من الثورتين، أرضيتها المكاسب والخسائر وليس حب الوطن، والشرفاء والوطنيون في مصر الآن هم المؤيدون لكليهما وليس الكارهين لواحدة دون الأخرى.

الجريدة الرسمية