حكايات فنية
نستهل العام الجديد بثلاث حكايات عن الفن، والسياسة، والحب.
الحكاية الأولى: منذ مقتل يوليوس قيصر وموت هارون الرشيد تغيرت خريطة العالم عدة مرات، وظهر زعماء على الساحة واختفى غيرهم.. وصولًا إلى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي حينما جمعت هواية التمثيل بين جمال عبد الناصر وأنور السادات، فقام الأول بتمثيل دور "يوليوس قيصر" في مسرحية عُرضت بحضور وزير المعارف العمومية وبعدها بسنوات قليلة قامت ثورة "يوليو" وأصبح ناصر هو "قيصر" مصر الجديد الذي صنع نهضتها الحديثة قبل اغتيال مشروعه.. بينما حاول الثاني بعد أربعة شهور فقط من عرض مسرحية "يوليوس قيصر" أن يقنع الفنانة "عزيزة أمير" بموهبته في التمثيل ولكنه فشل في الحصول على دور سينمائي، وبدلًا من الوقوف أمام كاميرات السينما جلس، بعد سنوات، خلف قضبان السجن حيث مثل بداخله دور "هارون الرشيد" في رواية تمثيلية بحضور عدد من السجناء.
أما مبارك فقد تبادل معه الأدوار حيث شارك أولًا بالتمثيل أمام الكاميرات في مشهد من فيلم "وداع في الفجر" قبل أكثر من نصف قرن من توديعه للسلطة وجلوسه خلف القضبان.. لذلك حملت عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات مسرحية في المدرسة، ورواية تمثيلية في السجن، وفيلمًا في السينما بمشاركة ثلاثة رؤساء حكموا مصر لستة عقود، ولكن رغم موهبتهم السابقة في التمثيل لا يمكن القطع بأنهم أجادوا تمثيل مصر في كل الأوقات والظروف مثلما لا يمكن المبالغة في النقد بالقول بأنهم "مثلوا" بمصر يكفي أنهم أنجزوا ما يُحسب لهم وأخفقوا في أمور تُحسب عليهم.
الحكاية الثانية: كان يتسكع في شوارع العاصمة النمساوية مؤمنًا بموهبته في الرسم ورغم ذلك فشل الشاب "هتلر" في الانتساب إلى أكاديمية الفنون في فيينا، وبعدها بسنوات قليلة قام بالاستيلاء على النمسا بأكملها وأشعل حرب عالمية مدمرة إذا كان المسئولون عن الأكاديمية يعلمون بها لبادروا من أنفسهم بتحقيق حلمه في الالتحاق بها حتى يمنعونه من الوصول إلى السلطة التي سرعان ما انهارت تحت قدميه.. وعندما كانت برلين على وشك السقوط ترددت أخبار عن وصول الروس إلى البلدة التي وُلد بها الزعيم النازي، فصرخ أحد الألمان (كم كنا سنكون محظوظين، لو كان قد أُجهض ولم يُولد) ومن المؤكد أن من صرخ بهذه العبارة لم يكن قادرًا على البوح بذلك الرأي قبل سنوات امتلأت خلالها وسائل الإعلام بعبارات التمجيد للفوهرر ونشر التحية النازية التي تعني (يحيا هتلر).
الحكاية الثالثة: خلال ثماني سنوات فقط أنتجت السينما المصرية ثلاثة "ألحان" رشيقة هي لحن الخلود، ولحن الوفاء، ولحن السعادة وقام ببطولتها على الترتيب فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، ومحرم فؤاد.. ولأن السينما في الخمسينات والستينات كانت تعتبر في العصر "الماسي" فإنني أخشى أن السينما حاليًا قد توصف بأنها في عصر "المآسي"، وهو ما يتطلب دخول الدولة ومشاركتها في دعم إنتاج الأفلام التي ترفع الوعي، وليس من الضروري أن تُستخدم لتوضيح الأحداث السياسية والتاريخية فحسب، ولكن يمكن أن تكون ألحانًا رومانسية جديدة لأن كل إضافة فنية تُزيد ثقافة المتلقي وترفع الذوق العام بمثابة منجم من "الماس".