رئيس التحرير
عصام كامل

مكرم محمد أحمد.. «المقاتل»

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

مقاتل على خط النار وفي قلب المواجهة، حمل سلاحًا عزيزًا، استوعبه وطوعه فكان له درعًا وسيفًا، أكد أن العطاء لا يرتبط بعمر متقدم لكن بإرادة فولاذية ورغبة لا تنتهي في خدمة بلاده.. أدرك أن الكلمة أقوى من طلقات البارود.. يعتبره تلامذته مرجعًا ليس فقط في مجاله إنما في مشارب عدة، فهو الحكيم الفيلسوف والجريء إلى حد الصدمة.


أن تكون صحفيًا لامعًا في مصر وعبر عهود متتالية، الأمر يقتضي منك أن تمتلك قدرات وملكات وسمات شخصية ومهنية تمكنك من الحفاظ على قدر كبير من العافية الإعلامية والسياسية، وهذا ما يتمتع به مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

الشاب القادم من محافظة المنوفية في خمسينيات القرن المنقضي، ليلتحق بقسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة، كان يعي جيدًا كيف يكون صحفيًا يمثل علامة فارقة في تاريخ صاحبة الجلالة منذ اليوم الأول، لا سيما أن دراسته أثرت في شخصيته الصحفية التي اتجهت نحو البحث والتدقيق وفقًا لما تحدده قواعد المنطق السليم.

سطع نجمه في المهنة مبكرًا، بعدما عمل مديًرا لمكتب جريدة الأهرام بالعاصمة السورية دمشق، ثم مراسلًا للجريدة في غزة، التي خرج منها في مركب شراعي متجهًا لميناء بورسعيد، عقب مداهمة قوات الكيان المحتل للقطاع.

صائد المناصب.. تاريخه في بلاط صاحبة الجلالة، يمنحه هذا اللقب باقتدار، فكان مدير تحرير جريدة الأهرام، ثم رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، ورئيسا لتحرير مجلة المصور، قبل أن يترك ذلك كله ويتفرغ لكتابة المقالات والعمل النقابي لسنوات، فربما تختلف معه سياسيًا لكن قلما نجد أحدا يختلف على أدائه النقابي المخلص، وليصبح مؤخرًا الرئيس الحالي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

خزانة ذكريات الكاتب الصحفي الكبير، مكتظة بمواقف عدة، مواقف تربطه برؤساء وملوك العرب، على رأسهم ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الراحل، فهو الصحفي العربي الوحيد الذي زاره خلال فترة احتجازه لأكثر من عام في مدينة رام الله، وأمضى معه يومًا كاملا، في رحلة شاقة بالسيارة بدأت من القاهرة، مر خلالها على أكثر من عشرين نقطة للتفتيش قبل الوصول إليه.

يقف «مكرم» شاهدًا على حركات التحرر في أفريقيا، وثق صحفيًا عملية تحرير إريتريا، وكان أشهر من غطى حرب الرمال - الحرب الجزائرية المغربية- وشارك في تغطية حرب 67، لكن من قطاع غزة إذ كان مراسلًا عسكريًا للأهرام هناك، ليعود إلى سيناء ثانيةً، لكن هذه المرة قبل جلاء قوات المحتل عن أرض الفيروز ليصبح بذلك الصحفي الوحيد بل المصري الوحيد، الذي يدخل سيناء بتصريح من الأمم المتحدة قبل جلاء الصهاينة عنها بشهرين.

“مكرم” الملقب بـ«شيخ الصحفيين»، يمتلك مهارة التحليل الإستراتيجي العميق لأي حدث يتناوله، وتدعمه في ذلك قوة علاقاته بأجهزة الدولة بما يسمح له بأن يكون على مقربة من دوائر صنع القرار والحصول على المعلومات المهمة التي يبنى عليها التحليلات والاستنتاجات في القضايا المختلفة، وهو من القلائل الذين مارسوا مهنة الصحافة لأكثر من نصف قرن لم يغب فيها عن أي حدث داخلى أو خارجي.

«أنت كتبت ما عجز غيرك عن تناوله بهذه الطريقة.. أبهرني ما كتبته» بداية علاقة مباشرة بينه وبين جمال عبد الناصر، الذي عبر عن إعجابه بمقال كتبه «مكرم» في جريدة الأهرام عن السد العالي.

«السادات يزور إسرائيل».. الرصاصة التي أنهت علاقة الصداقة التي جمعت «السادات» و«مكرم»، عقب انفراده بنشر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على العالم كله، وكان في واشنطن وقتها ضمن بعثة تصادف وجودها مع وجود وفود المباحثات، فحصل على بيان المعاهدة ونشره، ما أغضب السادات.

الدكتور مصطفى الفقي، رئيس مكتبة الإسكندرية، شاهد على متانة علاقة مكرم محمد أحمد بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، يقول: «إن مكرم ظل طوال 10 سنوات يكتب خطابات مبارك دون أن يعرف أحد بذلك، بحكم إيمان النظام الحاكم بخبرته الصحفية وقدرته على الكتابة بطريقة سلسة وبسيطة وحكيمة، وكان مبارك معجبًا به وبشدة».

كما أنه كان أحد رُسل نظام مبارك للجماعة الإسلامية، وجرى تكليفه أن يكون الوسيط بين النظام وقادة الجماعة، وذلك بعد تعرض «مكرم» لمحاولة اغتيال في ميدان باب اللوق بالقرب من التحرير وسط القاهرة، نفذها من أطلقوا على أنفسهم آنذاك «الناجون من النار».
الجريدة الرسمية