رئيس التحرير
عصام كامل

بوتين.. «اللعيب»

فيتو

فور نجاح فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية عام 2012 استطاع تغيير الكثير في السياسة العالمية وخرائط التحالفات بين الدول الكبرى إلى جانب وقف الزحف الأمريكى والتدخلات في الشأن السورى لمعادلة ميزان القوى عالميًا بالوقوف في وجه واشنطن إبان إدارة أوباما ومن بعدها الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب.


حصل بوتين - والذي أعلن منذ أيام ترشحه للانتخابات الرئاسية لولاية أخرى- على المركز الأول في قائمة مجلة “فوربس” لأكثر الشخصيات العالمية تأثيرًا أعوام 2013 و2014 و2015 على التوالي، وفى 2014 أيضًا فاز بوتين بوسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم من قائمة الملوك والرؤساء وكبار السياسيين، خلال التصويت الذي دشنه المجلس الدولى لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والإستراتيجية.

الجوائز والأوسمة التي حصدها بوتين لم تأت من فراغ، حيث استطاع الرئيس الروسى توجيه ضربة قاصمة لأجهزة الأمن الأمريكية، بعدما كشفت تقارير عن تدخل أجهزة الاستخبارات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمساهمة في فوز دونالد ترامب بالرئاسة، حيث أكد مسئولون أمريكيون نوفمبر الماضى أن الرئيس بوتين أشرف على هجمات إلكترونية نفذتها أجهزة مخابراته للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتحويلها من جهد عام - لإضعاف الثقة في العملية الانتخابية- إلى محاولة محددة لدعم ترامب.

وذلك الأمر الذي أكدته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بأن التدخلات الروسية جاءت في صورة محاولة لإظهار أن الديمقراطية الأمريكية لم تعد تتمتع بمصداقية أكثر مما يصفها بوتين، إلى أن تطور التسلل الروسى في الداخل الأمريكى من نشر إخفاقات المرشحة الخاسرة في الانتخابات هيلارى كلينتون، وتجاهل نتائج التسلل إلى مؤسسات تابعة للحزب الجمهورى قام به الروس أيضًا.

ومن قضية التدخل في الانتخابات الأمريكية إلى سوريا والذي استطاع من خلالها في فرض قوته على حساب التدخل الأمريكى في المنطقة ودعم واشنطن “الجماعات الإرهابية المسلحة”، والتي أطلقت عليها “المعارضة السورية” مساهمة منها في تفكيك الدولة السورية وبإسقاط الرئيس السورى بشار الأسد لخدمة مصالح إسرائيل، إلا أن قدرات روسيا منعت تنفيذ ذلك المخطط الأمريكى والنجاح في الحفاظ على الدولة السورية مع الإبقاء على نظام الأسد إلى جانب قمع الجماعات الإرهابية المسلحة.

حيث اعتبر بوتين في أول خطاب له بعد قرار سحب القوات الروسية من سوريا أن روسيا عرضت في سوريا قدراتها العسكرية المتزايدة، واستخدمت بنجاح أسلحة ومعدات حديثة، حيث شاركت القوات الروسية خلال العامين الآخرين في العملية الروسية بسوريا بأكثر من 48 ألف عسكري روسي، ويشمل هذا العدد طيارين وعناصر بحرية ووحدات من الشرطة العسكرية وعناصر استخبارات وارتباط ومستشارين عسكريين، وذلك ما أدى إلى تحقيق العديد من النجاحات على المستوى العسكري بصعود النظام السورى وحلفائه حملتهم العسكرية عند أطراف محافظة إدلب في شمال غربى سوريا، مستخدمين أسلحة ثقيلة ومدعومين بعشرات الغارات الجوية التي أشعلت المحافظة، ما أدى إلى توسيع سيطرتهم ودفعت بآلاف المواطنين إلى النزوح من قراهم في اتجاه مناطق ريفية أكثر أمنًا في شمال سوريا.

نجاح الدور الروسى في الحرب السورية أسهم كثيرًا في تقدم علاقات موسكو في المنطقة وتفوقها على الدور التي تلعبه الإدارة الأمريكية سواء برئاسة أوباما أو الإدارة الحالية برئاسة ترامب، وذلك يرجع إلى ذكاء بوتين وإقامته علاقات واقعية بوجودها المؤثر في الحرب السورية، الذي منحها دورًا أكثر تأثيرًا من الدور الأمريكي.

استطاع بوتين أن يعيد إلى الأذهان قوة الاتحاد السوفيتى والذي تفكك في ثمانينيات القرن الماضى بذريعة أمريكية للقضاء على القوة الإقليمية التي استطاعت الوقوف في وجه واشنطن، حيث عقد عدة تحالفات على المستوى الدولى استطاع من خلالها عودة السيطرة الروسية والعلاقات إلى سابق عهدها إبان فترة الاتحاد السوفيتي.

حيث شهدت السنوات الماضية زيادة للوجود النظام الروسى في الشرق الأوسط بصورة جعلت لموسكو موطئ قدم في العديد من الدول ذات الأهمية الإستراتيجية، وذلك ما جعل العديد من التقارير الأمريكية تعرب عن قلقها من تحركات بوتين في المنطقة إذ وصفت تلك التحركات بأن موسكو أصبحت توجد في كل مكان في الشرق الأوسط.

مشيرة إلى أن جولات فلاديمير بوتين المتكررة في المنطقة كشفت حجم هذا الوجود وأهمية الدور الذي تقوم به موسكو والتي كان آخرها 11 ديسمبر الماضى بجولة شملت سوريا ومصر وتركيا واجتماعاته مع رؤساء الدول الثلاث وإبرام صفقات تجارية واتفاقيات عسكرية وتسويات سياسية معهم، تسلط الضوء على مكانة وأهمية الدور الذي تلعبه روسيا في المنطقة في الوقت الحالي.

وذلك ما وصفته التقارير الأمريكية بأن التمدد الروسى ومرحلة توسيع العلاقات يأتى في الوقت الذي تغيب فيه واشنطن عن تلك المنطقة، بالإضافة إلى امتلاك روسيا علاقات مع إيران وليبيا وإسرائيل ولبنان وقطر والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى تطور العلاقات السعودية الروسية، وذلك الأمر ما وصفه موقع “ستراتفور الأمريكى» أن وجود روسيا وعلاقاتها مع دول الشرق الأوسط يعيد إلى الأذهان حقبة الاتحاد السوفيتى ووجوده في المنطقة.

إعلان بوتين البالغ من العمر 66 عامًا الترشح لولاية رابعة نظرًا لما حققه في الولاية السابقة منذ نجاحه في العام 2012 بنسبة تأييد تجاوزت الـ 65% من عدد الناخبين، ولا سيما بعد النجاحات الكبيرة التي حققها في المجال الدبلوماسى والعسكري، حيث أسهم الرئيس الروسى في تقدم الجيش الروسى وتطويره بشكل كبير، إلى جانب تزويده بالعديد من الأسلحة المتطورة، وأبرزها أنظمة الدفاع الروسية S500، والتي تعتبر من أقوى أنظمة الصواريخ الدفاعية في العالم، بالإضافة إلى تخطيط الرئيس الروسى لخوض غمار المنافسة على كرسى الرئاسة الذي يبقيه في سدة الحكم حتى عام 2024 ببرامج اقتصادية جديدة من شأنها أن تعلو بالدولة الروسية في مجالات أخرى بخلاف المجالين العسكري والدبلوماسي.
الجريدة الرسمية