دونالد ترامب..«المبتز»
تحت عنوان «ترامب.. فن الصفقة» أصدر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كتابه الأول في نوفمبر عام 1987، عندما كان عمره 40 عامًا، ليتحدث عن عصارة خبراته، ويستعرض مهاراته في إبرام الصفقات التي مكنته من تحقيق مليارات الدولارات في فترات قصيرة للغاية.
«ترامب.. فن الصفقة».. نجح في الحصول على المركز الأول، وتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في قائمة «نيويورك تايمز» لأكثر الكتب مبيعًا في عام إصداره، وحقق شعبية هائلة ليس في أمريكا فقط، بل في العديد من دول العالم، وحرص صغار رجال الأعمال في العالم على اقتنائه؛ للاستفادة من خبرات الرجل.
“ترامب” لا يؤمن بالفشل ولا يقبل أبدًا بالهزيمة، ولديه استعداد للمناورة والالتفاف بكل الطرق للوصول إلى ما يريده في النهاية، فيقول: «طريقتى في التعامل مع الصفقات بسيطة وليست معقدة، ولكنى في البداية أحدد أهدافى الكبرى ثم أعمل بجهد على تحقيقها، وفى بعض الأحيان أرضى بأقل ما يمكن، لكنى في النهاية أتمكن من الوصول لما أريد»، ويضيف في كتابه: «لا أسعى لإنجاز الصفقات حبًا في المال والسعى وراء تحقيق أكبر قدر منه، فلدى منه ما يكفيني، ولكنى أجرى وراءها لأننى أحبها وكأنها الهدف الذي خلقت من أجله في هذه الحياة مثل الشاعر والفنان».
“ترامب” وضع في كتابه أيضًا عدة عناصر يشترط توافرها لدى أي شخص حتى يجرى صفقة ناجحة، وهى أن تكون أفكاره كبيرة تتناسب مع حجم أهدافه، وضرورة توقع الأسوأ دائمًا، إضافة إلى التمتع بالمرونة، والدراية الكاملة بالسوق الذي يتنافس فيه، وألا يخشى المواجهة، مع عدم الإنفاق الزائد عن اللزوم، والقدرة على احتواء كل التكاليف، والحذر الشديد لتجنب أي خداع محتمل، والوقوف من منطلق قوة قبل التفاوض على أي صفقة، لكن الأهم من كل ذلك، الاستمتاع بما يعمل.
بدأ “ترامب” في مجال أسواق العقارات برأس مال وصل إلى مائتى ألف دولار، في ستينيات القرن الماضي، حاول خلالها الالتحاق بزمرة كبار المسيطرين على القطاع، لكنه لم ينجح في البداية وفضل العمل مع والده حتى يتمكن من دراسة السوق بشكل كافٍ، وكانت انطلاقته الحقيقية في السبعينيات، لكن الموقف الذي أثر في حياته ودفعه للتحرك بخطوات مسارعة، عندما اتصل بنادي «لي» الذي يضم أثرياء ومشاهير العالم للالتحاق به، فاتصل بهم هاتفيًا وقدم نفسه بقوله: «أنا دونالد ترامب وأريد الاشتراك» فضحك الطرف الآخر لأنه لم يسمع به من قبل، وأخبره بأنه يمزح وأغلق الهاتف، لكن ذلك الموقف أثار حفيظته وجعله يصمم على أن يعرف اسمه العالم كله، وبالفعل انضم للنادي وتعرف فيه على العديد من الأثرياء.
الوصول إلى منصب رئاسة أمريكا اعتبره “ترامب” صفقة العمر في حياته، وظل يسعى بكل ما أمكن للتمهيد للحظة دخوله البيت الأبيض، وأفصح عن ذلك الهدف لأول مرة في عام 1987، عندما أعلن عن رغبته في الترشح للرئاسة وأنفق قرابة المائة ألف دولار آنذاك للحصول على صورة كاملة له على الصفحة الرئيسية لثلاث صحف كبرى، يعبر خلالها عن رغبته في أن يكون رئيسًا وأبدى أيضًا رأيه وتصوره للعديد من الأوضاع الأمريكية.
وفى العام التالى 1988 حصل على المركز العاشر في استطلاع رأى أجرته مؤسسة «جالوب» بالنسبة للشخصيات الأكثر إعجابًا في أمريكا، وكانت بداية مبشرة بالنسبة له في طريقه إلى البيت الأبيض.
استخدم “ترامب” الحزب الإصلاحى الأمريكي، وهو من الأحزاب الصغيرة في الولايات المتحدة، وترشح عنه في عام 1999 في ظل تنافس قوى بين جورج دبليو بوش، مرشح الحزب الجمهوري، وآل جور المرشح الديمقراطي، واستطاع تحقيق نسبة تصويتية طفيفة في ولايتى كاليفورنيا وميتشجان، وسرعان ما ترك الحزب نتيجة الخلافات المتفجرة بداخله، وأدرك أنه راهن على صفقة خاسرة لذلك انسحب منها على الفور، وعاد من جديد في صفقة أبرمها مع كبار الحزب الجمهورى ليترشح من خلال ذلك على منصب رئاسة الولايات المتحدة، واستطاع بقدراته على المناورة والتفاوض اكتساب شعبية كاسحة أوصلته إلى كرسى الرئاسة.
تعامل “ترامب” مع السياسة الخارجية لبلاده بفكر رجال الأعمال، وحسم الملفات باعتبارها صفقات عقارات يمارس خلالها عمليات الابتزاز والمناورات التي تمكنه من الوصول إلى تحقيق مصالحه، وفى بداية توليه رئاسة أمريكا حاول ابتزاز السعودية من خلال تصريح قال فيه: «إن السعودية لا تدفع المال الكافى نظير الحماية التي تقدمها بلاده للنظام»، وبعد 48 ساعة جرى الإعلان عن استثمارات بين البلدين تمنح الولايات المتحدة 100 مليار دولار.
وتجلى ابتزاز “ترامب” لدول العالم بشكل أكبر أثناء التصويت على قرار يعارض نقل السفارة الأمريكية للقدس بما يعد بمثابة اعترافا رسميا بالمدينة المقدسة عاصمة للاحتلال، فهدد بوقف المساعدات المالية عن الدول المصوتة لصالح القرار، وقال: «إنهم يأخذون مئات الملايين من الدولارات وربما مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا.. حسنًا، سنراقب هذا التصويت.. دعوهم يصوتون ضدنا.. سنوفر كثيرًا ولا نعبأ بذلك».
وتعتبر فنزويلا من أهم النماذج الدولية التي طبق معها “ترامب” سياسة الابتزاز، عندما هدد بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على البلاد ما لم تتراجع عن مخطط تشكيل جمعية تأسيسية تشريعية.
مؤسسات أمريكا الداخلية لم تكن بعيدة من محاولات ترامب لابتزازها أيضًا، فهدد الرئيس الأمريكى بإلغاء برنامج «الحالمين» المعروف بـ«داكا»، الذي يحمى 800 ألف مهاجر أدخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة وهم بسن أقل من السادسة عشرة من الترحيل ويسمح لهم بالعمل، ما لم يمرر الكونجرس قوانين عدة منها تمويل بناء جدار.