الصحوة..
فى مناخ الحرية يزدهر الإبداع، حتى فى عصر الاحتلال، ففى عشرينيات القرن الماضى كانت مصر تحت الاحتلال البريطانى، ومع ذلك ظهرت أجيال من المبدعين مثل عبد العزيز البشرى، وبيرم التونسى، وأحمد شوقى، وحافظ إبراهيم، وطه حسين، وعباس العقاد، وأحمد لطفى السيد، والمازنى، ثم كانت موجة الإبداع الثانية: إبراهيم ناجى، ومحمد حسن عواد، ومحفوظ، والسباعى، ويوسف إدريس، وجاهين، والتابعى، وثلة من كبار الأدباء والشعراء.
وشهدت هذه العقود طفرة فى الفنون فظهرت أم كلثوم، وعبد الوهاب، وزكريا أحمد، والقصبجى، وعبد المطلب، وكارم محمود، وعبد الغنى السيد، ورياض السنباطى، ثم منير مراد، ومحمد فوزى، والموجى، والطويل، وليلى مراد، وشادية، وفاتن حمامة، وسعاد محمد، وشهر زاد، وأحلام، وكوكبة رائعة من نجوم مصر الزاهرة.
وفى العلوم كان مصطفى مشرفة الذى أضاف لنظرية النسبية التى أبدعها أينشتاين, وكوكبة رائعة من كبار علماء الطب والجراحة والعيون والقلب وغيرها من التخصصات الطبية، وعلماء فى العلوم الطبيعية والتاريخ والفلسفة واللغة والآثار والإنسانيات والنقد الأدبى.
وشهد المسرح نهضة غير مسبوقة, وأنتجت مصر آلاف المسرحيات والأفلام السينمائية التى علمت الدول العربية اللهجة المصرية ولا تزال هذه الأفلام تحظى بنسب مشاهدة عالية حتى الآن.
كل هذا الإبداع كان ثمار الحرية، وكنا تحت الاحتلال البريطاني, ثم حدث انقلاب يوليو 1952 وأحكم العسكر قبضتهم على البلاد والعباد, باستثناء مدة حكم الرئيس محمد نجيب, فلما تولى عبد الناصر الحكم – عنوة - كان نموذجا للديكتاتور المستبد, خنق الحريات, ونشر ثقافة المؤامرة, وحكم الشعب بالحديد والنار فاختفى الإبداع.
وتأتى فترة حكم السادات ليستنهض الهمم لخوض حرب تحرير سيناء ومدن القناة, وكان المد الوطنى والحس الشعبى يتوق للحظة العبور, وبعد النصر العظيم بثمانية أعوام تغتال قوى الظلام بطل الحرب، لتسقط مصر فى قبضة مبارك وعصابة النهب المنظم لثروات البلاد وتجريفها؛ ليتوقف قطار الإبداع، ويظهر أرباع الموهوبين على الساحة, ويتحول الفن الأصيل إلى عرى وعهر وخلاعة مقززة، وأفلام مقاولات ينتجها تجار الخيش والجزارون والسباكون, وظهور كتب صفراء تصف أدق تفاصيل العلاقة بين الرجل والمرأة, وكتب أخرى ذات أغلفة حمراء تتوعد الجميع بنار جهنم وبئس المصير، حتى وصلنا إلى حكم تيار الإسلام السياسي, فيقتلون ما تبقى من فن وإبداع، يحرمون الفنون، ويهددون بهدم الأهرام وأبو الهول, ويفتشون فى الضمائر ويشقون الصدور ليعلموا المفسد من المصلح, كأنهم يمتلكون صكوك الغفران التى كان يتاجر بها رجال دين العصور الوسطى فى أوروبا... فساء ما يفعلون.
والأمل يراودنا فى صحوة إبداعية جديدة يقودها شباب ثورة يناير المجيدة.
الإبداع زهرة يرويها ماء الحرية.