رئيس التحرير
عصام كامل

طارق شوقي.. «الديجيتال»

طارق شوقى
طارق شوقى

يمضى وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقي، في طريقه نحو دمج التكنولوجيا في التعليم، دون أن يلتفت كثيرًا للأصوات المعارضة والمنتقدين للرؤية التي طرحها مؤخرًا، معتبرين أنه حالم في أفكاره، وأن الوضع الراهن في المدارس لا يؤهلها لتطبيق ما يعتقد فيه “شوقي”.


ويرى هؤلاء أنه من الأولى والأجدى التفكير في تقليل نسبة الكثافات وإنشاء أكبر عدد من المدارس من أجل استيعاب كل الطلاب، والارتقاء بالمستوى المهنى للمعلمين والقضاء على الظواهر السلبية في المؤسسات التعليمية ومكافحة الانحرافات الأخلاقية، وغيرها عشرات الملفات التي تحتاج إلى حلول عاجلة، يرى منتقدو الوزير أنها أولى كثيرًا من الانزلاق وراء أفكار التعليم الإلكترونى وغيرها، خاصة أن هناك تجربة سابقة للوزارة في هذا المجال انتهت بالفشل، بعد أن تكلفت نحو 400 مليون جنيه، وهى التجربة التي عُرفت في حينها بـ”تابلت أبو النصر” نسبة إلى وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمود أبو النصر.

طارق جلال شوقي، المولود في 12 يونيو 1957، مفتون بالتجارب العالمية في مجال التعليم، بدأ الرأى العام المصرى في التعرف عليه من خلال مشروع “بنك المعرفة” الذي تبناه وقت أن كان أمينًا للمجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى التابع لمؤسسة الرئاسة، وهو لا يأبه كثيرًا لأصوات منتقديه، وتأكيده في أكثر من لقاء أنه مدعوم من القيادة السياسية، يجعله مدفوعًا وبقوة لتحقيق ما يعتقده، ومشروع “بنك المعرفة” بدأ في شكل مكتبة إلكترونية ضخمة، ثم تحول إلى دار نشر للدراسات العلمية المصرية بصيغ إلكترونية.

ربما تفسر السيرة الذاتية لوزير التعليم الحالى سبب إصراره على اقتحام الطلاب مجال التعليم الإلكتروني، فالرجل كان رئيسًا لقسم تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في التعليم والعلوم والثقافة باليونسكو حول العالم من (2005 – 2008)، وشغل أيضًا في وقت سابق وظيفة مستشار اليونسكو الإقليمى للاتصالات والمعلومات في الدول العربية في الفترة من 1999 إلى 2005، وأستاذ الميكانيكا النظرية والتطبيقية في جامعة إلينوى، أربانا – شامبين من 1986 – 1998.

يرى “شوقي” المبهور بتجربة شركة Discovery Education، وقد أعلن عن سعادته البالغة عندما تمت الشراكة بين بنك المعرفة المصرى والشركة العالمية العاملة بمجال التعليم الرقمى في نحو 53 دولة في العالم، وخرج الوزير ليعلن تحالفًا بين الشركة، وبنك المعرفة، وقد وصل هذا التحالف في وقت سابق إلى المرحلة النهائية في مسابقة “بت أووردس”، وهى مسابقة تمثل معرضًا للموارد والشركات التي تقدم للمعلمين عناصر المعلومات، والأفكار، والإلهام، والتي تعتبر عناصر جوهرية في إطار عملية التعلم.

لم يكتف الوزير القادم من الجامعة الأمريكية بهذا الحد، بل إنه خصص جزءًا كبيرًا من الموقع الرسمى للوزارة لبوابة المناهج التفاعلية للشركة، وسط مساعٍ لربط المنهج المصرى بمحتوى رقمي؛ ولكن الغريب في الأمر أن الوزير المهتم بمجال التعليم الإلكترونى أو التعلم الذكى لديه في الوزارة إدارة عامة للتعليم الإلكترونى تضم نحو 300 موظف، وتضم عددًا من الأقسام، وهى تتبع الإدارة المركزية للتطوير التكنولوجى والتي كان يتولى رئاستها محسن عبد العزيز، ولكن الوزير أحاله إلى وظيفة “مستشار ب” منذ شهور.

وإلى الآن لم يعين أي بديل له، كما أن غالبية المشروعات والأفكار الخاصة بالتطوير الإلكترونى التي يعلن عنها “شوقي” ويسعى إلى تطبيقها لا تعرف عنها إدارة التعليم الإلكترونى شيئًا، وهو يعتمد على مجموعة عمل جاء بها من خارج الوزارة، ويتولى الدكتور مصطفى غالى الإشراف على قطاع الجودة والتكنولوجيا بالوزارة، كما أنه، ولأول مرة، يستعين وزير في التعليم بمعاون له في مجال التسويق الإلكتروني، وهو المنصب الذي تحتله يسرا علام، ولم تعلن الوزارة الإنجاز الذي حققه هؤلاء في هذا المجال، في حين تشير المصادر من داخل الوزارة إلى أن يسرا علام دورها يقتصر على إدارة صفحات “فيس بوك” التابعة للوزارة، وتعيد نشر بيانات الوزارة عبر الصفحة الرسمية للوزارة.

“شوقي” الحاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة القاهرة عام 1979، ثم درجة الماجستير في الهندسة عام 1983 من جامعة “براون” الأمريكية، ودرجة الماجستير في الرياضيات التطبيقية عام 1985، لم يلتفت كثيرًا إلى تجربة سلفه “محمود أبوالنصر”، أستاذ الهندسة بجامعة عين شمس، أيضًا، والذي بدأ مشروعًا للتعليم الإلكترونى عام 2013/ 2014 وانتهى بالفشل.

فقد أعلن الوزير الحالى عن تنفيذ تجربة شبيهة بذلك، بدءا من العام الدراسى المقبل بتوزيع أجهزة تابلت على طلاب الصف الأول الثانوى على مستوى الجمهورية، متعهدًا أن تكون تلك الأجهزة متصلة بشبكة الإنترنت 4g، وفى نفس المدة الزمنية كان الوزير قد أصدر قرارًا بخروج مادة الحاسب الآلى من المجموع، بحجة أن المدارس غير مؤهلة لتدريس تلك المادة، ولا توجد معامل حاسب آلى كافية، وهو القرار الذي أصدره تحت ضغط من أولياء الأمور، فهل هناك تناقض بين الموقفين أم أن عدم جاهزية المدارس بمعامل الحاسب الآلى ينفصل عن التعليم بواسطة التابلت؟

وزير التعليم الحاصل على الدكتوراه في الهندسة عام 1985، لم يلتفت إلى إحصائية موقع We Are Social، المتخصص في مراقبة وضع الإنترنت حول العالم، حيث تؤكد تلك الإحصائية أن مصر تحتل المرتبة الأخيرة في متوسط سرعة الإنترنت، حيث يبلغ متوسط السرعة في مصر، نحو 1.7 ميجا/ثانية، في حين يبلغ متوسط سرعة الإنترنت في كوريا، نحو 20.5 ميجابايت/ثانية، في حين أن تحميل بنك المعرفة يتطلب شبكة إنترنت فائقة السرعة، كذلك فإنه يوجد نحو 52% من المصريين لا يستخدمون الإنترنت، وهناك آلاف المدارس في القرى والنجوع والكفور، وفى المدن الفقيرة لا يمتلك طلابها رفاهية التعامل مع التقنيات الحديثة، وتوفير أجهزة تابلت لكل هؤلاء الطلاب يحتاج إلى ميزانية ضخمة قد لا تتحملها الدولة، فهل يعنى ذلك تحميل الطلاب قيمة هذه الأجهزة؟ وإذا حدث هل يتمكن الطلاب من سداد تلك القيمة؟

إضافة إلى أن الوزير، الذي عمل باحثًا في قسم الميكانيكا بمعهد “ماساشوستش” للتكنولوجيا (1985 – 1986)، ربما يكون قد تخلى عن الجانب البحثى الأكاديمي، الذي يؤكد أن هناك صعوبات ضخمة جدًا في إحداث نقلة فجائية في التعليم من الدراسة المعتمدة على الكتاب الورقى بالصورة الحالية إلى الدراسة المعتمدة بشكل كبير على المجال التكنولوجي، كما أن استصدار الوزير لقرار وقف تدريب المعلمين للترقى على بنك المعرفة، وهو البرنامج المعروف ببرنامج بنك المعرفة يدعو للتساؤل حول حيثيات القرار، فهل اكتشف الوزير أن ما يتم هو تدريبات صورية من أجل “تستيف” الأوراق للحصول على درجة الترقي؟

الوزير الباحث عن التعليم الديجيتال، والحائز على الجائزة الرئاسية الأمريكية للتفوق البحثى عام 1989، يبدو أنه لم ينتبه لـ دراسة تجربة الكويت في مجال الانتقال إلى التعليم الإلكتروني، وهى التجربة التي سعى إلى تنفيذها وزير التربية والتعليم العالى الكويتى السابق الدكتور بدر العيسى، الذي قام وقت توليه المسئولية باستئجار 80 ألف تابلت بنحو 26 مليون دينار كويتي، من 3 شركات متخصصة في الأجهزة الإلكترونية، وقامت الكويت بتوزيع تلك الأجهزة على الطلاب في العام الدراسى 2015/ 2016.

وكان الهدف من التجربة تطوير نظام الدراسة، وخلق مساحات واسعة من البحث والاطلاع، ولكن التجربة فشلت أيضًا لأنها تمت دون دراسة واقعية لواقع المدارس الكويتية، حيث انتهى الأمر باستبعاد العيسى وتعيين الدكتور محمد عبد اللطيف الفارس، وقد عددت وسائل الإعلام الكويتية 11 سببًا لفشل التجربة نقلتها عن تربويين كويتيين، وكان أبرز تلك الأسباب عدم جاهزية المدارس، وبيع عدد كبير من الطلاب لأجهزتهم، واستخدام طلاب آخرين لتلك الأجهزة في أغراض أخرى بعيدًا عن التعليم مثل الألعاب ووسائل الترفيه، وكان أخطر الأسباب يتعلق بالأضرار الصحية التي لحقت بالطلاب بسبب طول النظر في شاشات التابلت لساعات.

ويبدو أن وزير التعليم الحالى ما زال متأثرًا بتجاربه السابقة في مجال تكنولوجيا التعليم، فقد التحق بمنظمة اليونسكو عام 1999 واستمر بها حتى سبتمبر 2012.

كما أنه قاد اليونسكو لبناء شراكات إستراتيجية مع الشركات الكبرى في مجالات تقنيات الاتصالات والمعلومات، كما قاد المشروع العالمى لتأسيس معايير قياسية لتدريب المعلمين على استخدامات تقنيات الاتصالات والمعلومات في التدريس؛ ولكن إغراقه في مجال التعليم الإلكترونى وتكنولوجيا التعلم جعلت الوزارة تتأخر كثيرًا في عدد من الملفات المهمة، وعلى رأسها الملف الإدارى.

فما زال هناك العديد من المناصب الشاغرة في ديوان عام الوزارة لم يحسم الوزير أمرها بعد، كما أن مشكلات المعلمين تتفاقم وتتزايد، وأزمات الوزارة مع أولياء الأمور باتت عرضًا مستمرًا على شبكات التواصل الاجتماعي، بجانب العديد من المشكلات التي تظهر في ملف التعليم الخاص والدولي، وتأخير صدور التعديلات المعلن عنها للقرارات الوزارية المنظمة لهذا القطاع، وتأخير صدور قانون التعليم بعد التعديلات المقترحة عليه، بجانب أن العام الدراسى شهد عدم تنفيذ برامج صيانات المدارس، وفشل الوزارة في ملف المدارس اليابانية، وكذلك عدم الإعلان عن برامج تنفيذية للرؤية المقترحة لتكوين منظومة جديدة للتعليم، وغيرها من الملفات المفتوحة التي تحتاج إلى حسم من قبل الوزارة.
الجريدة الرسمية