«عفروتو» ومعضلة الضابط والمعلم
على الرغم من التضحيات الضخمة والعظيمة التي يقدمها جهاز الشرطة من أجل مصر، تلك التضحيات التي تبدأ بالتعب والعمل الجاد، وحتى التضحية بالنفس من أجل الوطن، فإنه لا يزال بين أبناء هذا الجهاز العظيم من لا يريد أن يفهم رسالة ذلك الجهاز وطبيعة عمله، ويصر على أن يتعامل مع المتهمين بعقلية ما قبل 25 يناير، تلك العقلية التي تعُد المتهم ملكًا خاصًا لأفراد الأمن، يصنعون به ما يشاءون من تعنيف وتعذيب وغير ذلك، حتى يصل الأمر أحيانًا إلى القتل الناتج عن العنف مع ذلك المتهم، وهذه النوعية من رجال الأمن –والتي من المؤكد أنها نوعية ضئيلة بالنسبة لعدد أفراد الأمن– هي التي تسيء لذلك الجهاز العظيم، وتجعله في مرمى الانتقاد من الوطنيين، والتشنيع من الإخوان الإرهابيين وأذنابهم، حيث يستغل هؤلاء تلك الأخطاء الفادحة ويضخمونها ويبثونها على أن الجهاز الأمني كله كذلك، لعلهم بذلك يعيدون على مصر أيامًا سوداء بدأت بقصة خالد سعيد، والتضخيم المريب الذي صاحبها من وسائل التواصل الاجتماعي، فهم الآن يريدون عودة تلك القصة وبثها من جديد باسم آخر هو
"عفروتو"، وكما كانت قصة خالد سعيد وقت يناير وأعياد الشرطة فها هي قصة "عفروتو" في التوقيت نفسه.
فذلك المتهم محمد ولقبه "عفروتو" كان محجوزًا على ذمة قضية مخدرات بقسم شرطة المقطم، وأصيب بحالة إعياء شديدة ومات في المستشفى بعد نقله إليها مباشرة، وادعى معاون القسم وأحد أمناء الشرطة أن "عفروتو" مات نتيجة جرعة زائدة من المخدر، لكن جاء تقرير الطب الشرعي ليثبت أن "عفروتو" قتل نتيجة إصابات أودت بحياته من خلال ضربه؛ مما أدى لإصابته بتهتك في الطحال ونزيف داخلي بالبطن؛ الأمر الذي جعل المحامي العام الأول لنيابات جنوب القاهرة يأمر بحجز معاون المباحث وأمين الشرطة أربعة أيام على ذمة التحقيقات التي تجريها النيابة في مقتل "عفروتو"، وهنا يكون العجب العجاب، فهذا الضابط من غير المعقول أنه تعلم أسلوب العنف والقسوة مع المتهمين في كلية الشرطة التي تعلمه واجباته كضابط شرطة، لكنه تعلم القسوة والعنف من خلال تعامله اليومي مع المجرمين، فتسرب سلوكهم وطبيعتهم الإجرامية إلى نفسه، فصارت معاملته لهم وأحيانًا لغيرهم بالطبيعة الإجرامية التي تسربت إلى النفس والسلوك كما يؤكد علماء النفس..
فكما أن المعلم الذي يخالط الأطفال سنوات طويلة يتأثر بطبيعتهم وطريقة تفكيرهم وسلوكياتهم، فيلاحظ ذلك من خلال معاملاته مع الناس؛ لذا كان بعض القضاة في السابق لا يقبل بشهادة معلم الأطفال لأنه متأثر في طبيعته بهم، وهذا –كما ذكرنا– أمر طبيعي، وهو ما حدث مع بعض ضباط الشرطة، وحدث مع ذلك الضابط الذي بعد أن كان فرد أمن صار متهمًا، وفي حجز مثل الذي قُتل فيه ضحيته "عفروتو"، فقد انتقل إلى طبيعته السلوك الإجرامي، ولم يعد يميز بين حدود وظيفته وذلك السلوك، وظن أن إثبات وجوده وقوته وهيبته تأتي من العنف، فوضع نفسه تحت طائلة القانون، وأساء لنفسه ولأسرته إساءة بالغة، ولو استرجع ما حدث ما كان سيفعله، وتجده يندم على ما فعل، وبينه وبين نفسه يلوم تلك النفس ويؤنبها على ما اقترفت يداه، ويتمنى لو كان تعامل مع ذلك المتهم بالقانون، وحوله للنيابة لينتهي دوره..
وهو الأمر الذي يحدث مع المعلم الذي يستخدم القوة والعنف مع تلاميذه، فيحدث أن يصيب تلميذًا فيدخل تحت طائلة القانون، ويراجع نفسه ويتمنى لو أنه حول ذلك التلاميذ للإخصائي الاجتماعي أو النفسي وانتهى بذلك دوره، ولم يضح بمستقبله، فكان في اتباع القانون الخلاص لضابط الشرطة والمعلم، لكن للأسف هذه النماذج تجدها لا تعرف سوى العنف سبيلا للتعامل يظنون من خلاله أنه السبيل الوحيد لفرض السيطرة وإثبات الوجود والشخصية.
وفي موضوع "عفروتو" هاج أقاربه وأصدقاؤه وماجوا، وهاجموا قسم شرطة المقطم حتى تم القبض عليهم لوقوعهم تحت طائلة القانون، ورغم تقديري لحالتهم النفسية لكنها لا يمكن أن تكون مبررًا للفوضى أبدًا، وها هو القانون يأخذ مجراه ليصبح الضابط هو المتهم، وطبعًا لا يتمنى أنه يعامله الضابط الحارس عليه بمثل ما عامل هو "عفروتو".
ونجد أن الحل لمشكلة ومعضلة مثل هذا الضابط أن تقوم الداخلية بتأسيس أكاديمية نفسية تجبر الضباط على التدريب فيها ثلاث مرات سنويًا، وترتبط الترقيات بالتدريب، وهذا التدريب يكون على تثبيت مهمة ضابط الشرطة فقط، وعدم استخدامه للعنف، وإعلامه بنتيجة ذلك العنف ومتابعته في عمله حتى لا تتكرر تلك الحوادث المؤسفة.
وأخيرًا أهمس في أذن كل ضابط وفرد أمن ومعلم، عليكم بالهدوء وإبعاد الانتقام الشخصي وشخصنة التعاملات وتعاملوا بالقانون تنجوا من عقابه وتسلموا من ألسنة الإرهابيين الذين يستغلون أخطاءكم ضد بلدكم.