رئيس التحرير
عصام كامل

من «محنة» إلى أكبر «منحة» في حياته.. قصة «تضخم دموي» فتح أبواب السعادة أمام عبد الناصر زيدان

فيتو

في نهاية شهر نوفمبر من العام 1997، وقع حادث "الدير البحري" الإرهابي بمحافظة الأقصر، الذي أسفر عن مصرع 58 سائحًا أجنبيًا، وقتها انتفضت الحكومة المصرية، وأقال الرئيس الأسبق حسني مبارك وزير الداخلية حسن الألفي، وبدأت مؤسسات الدولة تنظيم وقفات احتجاجية للتنديد بالإرهاب الذي يستهدف السائحين، كانت الجامعات المصرية أولى المؤسسات التي استجابت لدعوة الحكومة، وخرج الطلاب في عموم مصر في مظاهرات عارمة يعلنون غضبهم، ويطالبون العالم بالتكاتف مع مصر في حربها ضد "طيور الظلام" من الجماعات التكفيرية.
  


قبل الحادث بأشهر قليلة، جرت انتخابات اتحاد طلاب جامعة الأزهر، وفاز الطالب عبد الناصر زيدان برئاسة الاتحاد، ومع اندلاع المظاهرات وقع اختيار المسئولين على زيدان لقيادة مظاهرات طلبة الأزهر، للتنديد بحادث الدير البحري، وأبلى زيدان بلاءً حسنًا، وتم اختياره بعد ذلك لقيادة أكثر من مظاهرة في مختلف جامعات مصر، وكان صوته الجهوري أحد الأسباب الرئيسية في نجاحه في المهمة المكلف بها، لكن صوته بفعل المشاركة في أكثر من فاعلية في اليوم نفسه تعرض لمشكلات كبيرة، وخضع لتحاليل وأشعة أثبتت وجود تضخم دموي على الأحبال الصوتية، نتج عنه فقدان القدرة على الكلام، وظل لمدة تقترب من الشهرين فاقدًا النطق تماما، ويتواصل مع المحيطين به من خلال الكتابة. 

كان صوت عبد الناصر طبيعيًا للغاية، ولم يكن على الحالة التي هي عليه الآن: "الناس دايما بتسألني أنت ليه صوتك كده، الحقيقة أنا صوتي ما كنش كده صوتي كان طبيعيًا زي أي شخص عادي كان صوتي جميلًا، وكنت بغني زي عبد الحليم حافظ كمان، في عام 1998 انتخبت رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة الأزهر، وفي هذا العام وقع الحادث الإرهابي في الدير البحري بالأقصر، في هذا الوقت جامعة الأزهر والجامعات المصرية كانوا بيعملوا وقفات للتنديد بالحادث والوقفات دي ما كنتش داخل مصر بس كانت في الخارج كمان".



كان حادث الدير البحري حدثا كبيرا وصلت أصداؤه إلى مختلف العواصم الأوروبية، ولذلك كانت الحكومة ممثلة في المجلس الأعلى للشباب برئاسة الدكتور عبد المنعم عمارة مهتمة بشحن الشباب للمشاركة في إدانة العمل الإجرامي: "في إحدى الرحلات الخارجية للرئيس السابق حسني مبارك تم اختياري مع مجموعة من الشباب لمرافقة الرئيس، وتنظيم فعاليات منددة بحادث الدير في إحدى العواصم الغربية، وبعد العودة من تلك الرحلة اُخترت لقيادة أغلب وقفات التنديد بالحادث، ونتيجة المشاركة في أكثر من وقفة وهتافي طوال الوقت أُصبت بتضخم دموي على الأحبال الصوتية، هذا التضخم أدى إلى احتباس صوتي لمدة تقترب من الشهرين".

يتذكر زيدان تفاصيل تلك الأيام الصعبة التي فقد فيها النطق: "وقتها لم أكن أستطيع الكلام مطلقًا، وكنت أتواصل مع الناس من خلال الكتابة فقط، وخضعت لأشعة وتحاليل طبية أكدت احتياجي إلى إجراء 4 عمليات جراحية حتى أستعيد صوتي بشكل كامل، وبالفعل دخلت مستشفى المقاولون العرب وخضعت للعملية الأولى، وحين أَفقت وجدت صوتي على حالته الحالية، بعد ساعات من خروجي من غرفة العمليات كان طاقم التمريض يبحث عني ليكتشفوا هروبي من المستشفى، لأني قررت وقتها الاكتفاء بالعملية الأولى وحمدت الله على عودة صوتي، ورفضت استكمال بقية العمليات خوفا من فقده مرة أخرى، وقلت يومها الحمد لله إني اتكلمت مش عاوز أعمل عمليات تاني". 



اشتهر "زيدان" بتحليل ومتابعة دوري الممتاز ب، والقسم الثالث والرابع ومراكز الشباب، لتصبح له شعبية خاصة من عشاق الساحرة المستديرة في مصر، فدائمًا ما يعرض الأزمات التي يواجهها الفرق، لكن أراد الانتقال إلى مرحلة جديدة، بعد تميزه بـ«صوته» الذي يبدو غريبًا للبعض، وبالفعل قدم برنامج "كورة بلدنا" عبر فضائية «الحدث اليوم» وحقق نجاحا كبيرا، ووضع اسم مقدمه بين كبار مقدمي البرامج الرياضية في مصر، لينتقل بعدها إلى قناة "ال تي سي". 

رغم النجاح الكبير الذي حققه "زيدان" فإنه يجد غُصة أحيانًا من التعليقات الساخرة على صوته: «لو أعلم كم الصراعات وحملات التشويه التي تعرضت لها لأجريتُ بدل العملية ثماني عمليات لأستعيد صوتي الطبيعي»، موجهًا رسالة لمن يشوه صورته بسبب صوته: «لا تعاتب المخلوق على صنعة الخالق، هذا خلق الله ومن أحسن من الله صنعا».



يرى زيدان أن تلك المحنة كانت أكبر منحة في حياته، فرغم تغير صوته ووصوله إلى الحالة التي هو عليها الآن، فإن ذلك الصوت كان وش السعد عليه، وجعله أحد المذيعين الذين يمتلكون طريقة مميزة في تقديم البرامج الرياضية: "كأن المولى سبحانه وتعالى ابتلاني ليختبرني فصبرت حتى عاد صوتي فكان هذا الصوت بشكله الحالي سبب سعدي وسر نجاحي، ولذلك رسالتي لأي شخص يبتليه الله اصبر وسيعوضك الله خيرا كثيرا، وأحيانا يبعث الله لك ما ظاهره الشر لكن الخير كله يكون في باطنه".

يؤمن مقدم «كورة بلدنا» أن ما حدث لصوته جعله مميزا في الوسط الرياضي، وصاحب كاريزما خاصة بين مقدمي البرامج الرياضية، ولولا صوته لم يصل إلى القمة بهذه السرعة التي وصل بها لجمهوره في السنوات الأخيرة، وأنها اختصرت وقتا طويلا عليه: «نبرة صوتي كانت وش السعد عليا ورزق من ربنا».

لم يسلم «زيدان»، من حملات التشويه والصراعات الدائمة، منذ ظهوره على الفضائيات كمقدم برامج رياضية بسبب «صوته»، بجانب المواقف المحرجة التي وضع فيها خلف الكواليس التي لا يعرفها كثيرون: "كانت أولى الصدمات التي تعد علامة في حياتي هي استعدادي لتقديم برنامج على الهواء، وقبل الظهور بدقائق معدودة طلب المخرج مني الانصراف بداعي «التحفظ على صوتي»، لكني لم أستسلم لكل هذه المواقف، وعلى الرغم من رفضي في العديد من القنوات فإنني قررت استكمال المسيرة وتحقيق حلمي تحت أي ظروف، والحمد لله بسبب صوتي الذي يسخر منه البعض نجحت وحققت جماهيرية كبيرة بين متابعي كرة القدم في مصر".

قبل 

بعد
الجريدة الرسمية