الخوارج.. أصل التكفير والعنف (١)
في موقعة "صفين" بين الإمام على (رضي الله عنه) ومعاوية، كان الخوارج ضمن جيش على، وقد حملوه على قبول التحكيم مع معاوية، فوافق على مسالة التحكيم، وتم اختيار الحكمين؛ أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص.. وبعد المداولة، انتهى الحكمان إلى عزل على ومعاوية، بحيث تختار الأمة من جديد من تشاء.. وعندما أعلنت النتيجة، قبل على الحكم، لكن معاوية رفضه، ومن ثم أصبح الخليفة الشرعى معزولا ومنصبه شاغرا أمام معاوية الذي لم يكن ينازع عليا عليه، بل على عدم قصاصه من قتلة عثمان (رضي الله عنه).. لذا، اعتبر الخوارج أن التحكيم كان خدعة كبرى، وهو ما أدى إلى كفرهم بتحكيم البشر، وأعلنوا توبتهم عن هذا الكفر (!)، وطالبوا "على" بهذه التوبة، فرفض فأعلنوا كفره ومن معه، وحاربوهم لأنهم رضوا بتحكيم الرجال في الخلافة وهذا كفر، فلا حكم إلا لله (!).. كما أعلنوا كفر مرتكب الكبيرة، وأدخلوا فيها الخطأ في الرأى، بل إن منهم من يقول بكفر أصحاب الذنوب ولو كانت من الصغائر..
هذه باختصار قصة الخوارج، كما أوردها البهنساوي في كتابه "شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر".. وفى مؤلفه القيم "إسلام بلا مذاهب"، يذكر لنا الدكتور مصطفى الشكعة أن الخوارج انقسموا إلى أحزاب كثيرة متعددة، وقد اختار لفظ "حزب" ولم يختر لفظ "فرقة" لما قد تقمصته كلمة حزب من الدلالة على المعنى السياسي أكثر منها دلالة على المعنى الدينى.. وقد اشتملت هذه الأحزاب على الأزارقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة والثعالبة، وغيرها.. على أن هذه الأسماء هي للأحزاب الرئيسية الكبرى، ولكن بعض هذه الأحزاب قد انشطر إلى أحزاب أصغر؛ فالعجاردة مثلا انشطروا إلى الصلتية أصحاب عثمان بن أبى الصلت، والميمونية أصحاب ميمون بن خالد، وهكذا... ويرى الدكتور "الشكعة" أن الذي أفسد على الخوارج دعوتهم هو سفكهم الدماء، وبخاصة دماء المسلمين من مخالفيهم في الرأي، لقد كان دم المسلم عندهم أرخص من دم غير المسلم.. في كتابه "نظام الحكم في الإسلام"، يعزى الدكتور أحمد عبد الله مفتاح نشأة الفكر السياسي عند الخوارج وتطوره إلى: طبيعة تكوينهم الفكرى، وأحداث العصر ووقائعه..
الملاحظ أنه منذ ذلك التاريخ، وقضية التكفير المختلط بالدم تطل برأسها من وقت لآخر على العالم العربى والإسلامى.. تعلو حينا، وتهبط حينا آخر، لكنها لم تتوقف يوما، وسالت من ورائها شلالات كثيرة من الدماء... ومن الواضح أن هناك -على المستويين الإقليمي والدولي- من يعمل على أن تظل جذوتها مشتعلة دائمًا..
وقد اتفق أهل السنة على دخول الفرد الإسلام والحكم له بالإيمان عند نطقه بالشهادتين.. كما اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما ادعت الخوارج، ولا هو في منزلة بين المنزلتين (أي في منزلة بين الكفر والإيمان) كما قال واصل بن عطاء رأس "المعتزلة"، وهو قول باطل، إذ جعل الله تعالى مرتكب الكبيرة من المؤمنين.. (وللحديث بقية إن شاء الله).