الذئاب الإرهابية ليست متفردة
يؤرخ البعض لظاهرة الذئاب المنفردة بظلم الغرب وليست ظاهرة إسلامية وأن المصطلح ظهر في أمريكا عام ١٩٩٠ حين دعا الأمريكيان "ألكس كيرتس" و"توم متذجر" الخلايا الفردية والصغيرة للعمل تحت الأرض بسرية تامة ومنذ ذلك التاريخ وقعت عمليات إرهابية عنصرية تقوم بها تلك الجماعات المنفردة دون هرم تنظيمي.. حيث دعوا لقتل السود.. وتتسع القائمة للتدليل على نشأة المصطلح في الغرب.. وكان حادث تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية عام ١٩٩٥ الذي أدى لمصرع ١٦٨.. وفي عام٢٠١١ قتل ما وصف أيامها بالمتعصب العنصري أندرس بريفك ٨٥ شابًا في جزيرة أوتويا النرويجية بخيالات عن الحروب الصليبية..
ويمكن القول إن كل العمليات الإرهابية التي وقعت وقام بها فرد أو أفراد كانت ذات بعد عقائدي أو سياسي.. وأصبح معلومًا الآن بالضرورة أن تنظيم القاعدة صناعة أمريكية في أفغانستان.. ومن بين أحضان القاعدة خرجت داعش في العراق وكل أساليب داعش الدموية من أفكار القاعدة.. وهكذا فإن الذئاب المنفردة هي تسمية أجهزة مخابرات لإرهابيين يقومون بهجمات منفردة دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما.. ويمكن أن تكون من عدة أشخاص ما بين شخصين وخمسة أشخاص.. غير أن الواقع مختلف تمامًا؛ لأنهم لا يفترقون وهم يحصلون على التوجيهات المباشرة من التنظيم ذاته وفقًا لأحد إصدارات داعش تحت عنوان "استراتيجية الذئب المنفرد" لــ "أبو أنس الأندلسي".. ووصف فيها الداعشي "محمد مراح رائد" عمليات الذئب المنفرد ومنفذ ما يصفونه بغزوة "تولوز" المجيدة في مارس ٢٠١٢..
واتضح أن "مراح" لم يكن منفردًا ولكنه كان منضما لجماعة جند الخليفة الإرهابية.. أي أننا أمام ذئاب منفردة إرهابية تقوم بعملياتها بعد اتصالات وتخطيط وبمساعدة أجهزة مخابرات وبتمويل أكبر من قدرة أي جماعة إرهابية.. وبالطبع هناك إيمان بمعتقدات الجماعات الإرهابية، وهو ما ينفي كل ما هو معروف من تسريبات من أن الذئاب لا تنتمي لتنظيمات وأن عملياتها تتم في أقرب مكان للذئاب، وبإمكانات بسيطة دون أن يكون ذلك مخططًا من التنظيم وأن كل العمليات من تخطيط وتنسيق وتنفيذ شخص واحد وأن العملية تتم بيده من غير معرفة أحد، وفي كل الأحوال فإن لدى تلك التنظيمات ما يسمي بجهاد الفرد، كما اعترف بذلك "أبو مصعب السوري"، القيادي في تنظيم الطليعة بأن تشكيل خلايا الفرد تصعب مراقبتها من قبل أجهزة الأمن فضلا عن أنها لا تؤثر فى التنظيم عند القبض على الفرد الذي قام بتنفيذ العملية ،وهو ما يعتمد عليه تنظيم داعش في معظم عملياته الأخيرة وخاصة بعدما انهارت أحلامه في انهيار دولته المزعومة في سوريا والعراق، وستكون كل العمليات المقبلة مجرد استعراض يؤكد بها وجوده واستمراره ليس إلا.
ومن المعروف أن عمليات التجنيد والتوجيه تتم الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص مصابين باضطرابات نفسية واجتماعية.. ولم تعد إشكالية المسافات واتساعها قضية لجمع شمل تلك التنظيمات أو عقبة للتواصل.. حيث يتم التواصل عبر التليفونات الذكية وبرامجها وتطبيقاتها الحديثة التي يصعب تتبعها.. وهناك دعوات يومية لزعماء تكفيريين يقولون فيها استعملوا ما تجدونه من أسلحة واقتحموا بها الزحام واقتلوا كما تشاءون.. لذلك فإن مراقبة "فيس بوك" وأخواته باتت مهمة.. ثم متابعة البيئات الحاضنة لهؤلاء الإرهابيين بوصفهم مشروعات مؤجلة لعمليات إرهابية.
لذلك أصبحت المواجهة مهمة الجميع وليست قوات الأمن فقط.. خاصة أن ظهور عناصر جديدة، ربما تكون غير منضوية تحت أجنحة التنظيمات الإرهابية يحمل من الصعوبة رصدها أو قطع الطريق عليها وفقًا لفلسفة أن الجيوش الكبيرة النظامية يصعب عليها مواجهة تلك الحالات السائلة التي تتخفى وسط التجمعات السكانية ولا تلفت الأنظار إليها.. وشعارهم (انفروا فرقة من بعد فرقة ومجموعة بعد مجموعة).. وهناك وصاية داعش لهؤلاء الذئاب بالتنكر وحلق اللحى وارتداء الملابس الغربية، بحيث لا يبدو كالمسلمين، فضلا عن عدم الصلاة في المساجد.. وأن يكونوا مثل أي سائح عادي في البلاد الغربية؛ لأنهم يعتقدون أن قتل أئمة الكفر وجنودهم عبادة عظيمة يتقربون بها إلى الله.. والأمر عندي أن تلك المعلومات مهمة لنشرها لكي تكون المواجهة جادة وحاسمة، خاصة أننا ليس لدينا خيار آخر.