معركة بين المملكتين
في اجتماع اتحاد البرلمان العربي الذي عقد بالمملكة المغربية، طفح على السطح ما كان خافيا بين المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، عندما أراد الوفد السعودى تجاهل ما سعى إليه الوفد الأردنى من التأكيد على «الوصاية الأردنية الهاشمية» على القدس.. الأردنيون أرادوا التأكيد على هذا المعنى التاريخي.. وعلى الجانب الآخر اعترض الوفد السعودى وبشدة على هذا الطرح طالبا منح المسألة بعدا إسلاميا أوسع.
الأردنيون واجهوا ذلك بعنف وعبروا عن دهشتهم من التوجه السعودي، خاصة أنه كان مفاجئا لهم حسب تصريحات بعضهم، وبالطبع أدت المواجهة الأردنية الخشنة إلى مناقشات حادة بين الطرفين، وصلت إلى حد التلاسن، خاصة أن هذه هي المرة الأولى التي تشهد اعتراضا سعوديا على الدور الأردنى في القدس، وهو الأمر الذي أثار قلقا أردنيا بهذا الخصوص.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، واتسعت الهوة بين الطرفين بعد أن أعلن ملك الأردن استبعاد ثلاثة من الأمراء من القوات المسلحة الأردنية.. الأمر الذي دعا جهات عربية إلى القول «إن قلقا متزايدا في الداخل الأردني يرتبط بمحاولة انقلاب على الملك، وهي التي تقف وراء قرار الاستبعاد، وهو الأمر الذي دعا المملكة الهاشمية إلى الرد على لسان «مصدر» بأن ما حدث مجرد قرار داخلي يرتبط بإعادة هيكلة القوات المسلحة الأردنية.
وصف المصدر المسألة بأنها محاولة قادمة من «جهات مغمورة» تحاول النيل من استقرار الأردن، ووصلت الأمور إلى أعلى نقطة ساخنة بعد اعتقال السلطات السعودية لرجل الأعمال الأردني السعودي؛ صبيح المصري، لينتقل الخلاف إلى مساحات أخرى أكثر توترا بين الجانبين استطاعت خلاله الخارجية الأردنية أن تطرح الملف «ملف التحرك المشبوه» إلى الداخل الشعبي الأردني بشكل دفع إلى مواجهة شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن توقع نهاياتها أو التخفيف من آثارها.
هذا التفكك العربي العلني جديد على الساحة، خاصة فيما يرتبط بالعلاقات الأردنية - السعودية، حيث اعتادت الجماهير على تكتم العاصمتين على نقاط الخلاف فيما بينهما زمنا طويلا، إلا أن المفاجأة في الطرح السعودي أثارت هواجس وشكوكًا لدى صانع القرار الأردني، بشكل دفع إلى طرح الأمور على السطح رغبة في الاعتماد على الداخل، ونقل ما يجري ضد الأردن إلى الساحة الشعبية التي تشهد التفافا حول القيادة في مثل هذه الأمور، خاصة فيما يرتبط بقضية القدس وما يمثله في الوجدان الأردني بشكل خاص.
ملف الخلافات السعودية - العربية يتسع بشكل مقلق.. الرياض تختلف مع سلطنة عمان، وخسرت كثيرا في اليمن ولم يعد لها صديق في سوريا، وضحّت بما كان لها من رصيد في لبنان، وها هي تخسر الأردن وحتى على مستوى جاراتها في الخليج، هناك تباين في الرؤى يصل أحيانا إلى حد الخلاف ومحاولة فرض وجهة النظر السعودية بخشونة دبلوماسية، قد لا ترعى فكرة المصالح الداخلية لكل دولة على حدة.
أتصور أن تجربة دبلوماسية غير ناضجة تؤدى إلى ما نحن فيه.. تجربة تفرض على المخلصين أن يدعوا إلى حوار داخلي على الساحة السعودية من شأنه أن يعيد لدبلوماسية الرياض دورها المهم في محيطه، خاصة أن ما يحاك ضد السعوديين لا يقل خطرا عما يحاك ضد المصريين، والأمن القومى العربى جسد واحد يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور مع تسارع وتيرة الأحداث.