مصنع النظائر المشعة «قصة نجاح مصرية».. يسد احتياجات نحو 60 مركزا طبيا.. وعوائد تصديره 400 مليون دولار.. يرسخ الريادة المصرية في «الطب النووي».. وبوابة المستقبل للتصدير للعالم
منذ أن اكتشفت العالمة مارى كوري وزوجها عنصر الراديوم، في عام 1898، كان الأطباء أول من اهتموا بالاستفادة من النظائر المشعة واستخدامها في التشخيص والعلاج، وذلك عقب اكتشاف المفاعلات الذرية؛ إذ إن النظائر المشعة تمكن الأطباء من التحليل والكشف الدقيق والتعرف على مواطن الأمراض ومسار الجراثيم في الجسم، ويعتبر استخدامها في المجال الطبي من أحدث التطورات في الطب الحديث.
تشخيص الأمراض
ولمن لا يعرف فإن النظائر المشعة تستخدم لتشخيص بعض الأمراض وعلاج البعض الآخر أو ما يسمى “الطب النووي” نسبة إلى نواة الذرة، وهي مصدر الإشعاع المنبعث من هذه المواد المشعة، كما أن النظائر المشعة تستخدم أيضًا في إنتاج وتصنيع مادة السيليكون، والذي يتم استخدامه في الألواح الشمسية لإنتاج الطاقة، كما يتم اللجوء إليها في الأغذية والزراعة.
ريادة مصرية
مصر تعد من الدول الرائدة في مجال النظائر المشعة؛ لامتلاكها مفاعلا نوويا للأغراض البحثية “أنشاص” يعمل على تنفيذ عدد من المشروعات التي تخدم المجتمع، من بينها مادة السيليكون من خلال عمليات «التشعيع» في المفاعلات البحثية التي تعمل على مزج «السيليكون والفسفور» معًا، عبر أشباه الموصلات، لامتصاص ضوء الشمس وتوليد الطاقة الكهربائية من خلال هذه العملية.
مفاعل أنشاص
ووفقًا لمعلومات “فيتو” فإن مفاعل «أنشاص» يوجد به مكان مخصص لعملية «التشعيع»، وتحويل السيليكون إلى الصورة التي يمكن من خلالها تصنيع الخلايا الشمسية مما وفر نحو ٢٤٠ مليون جنيه لصالح الدولة، والتي كان يتم استنزافها عند شراء مواد إشعاعية لهذه الخلايا لإنتاج الألواح، وسينقل هذا المشروع مصر نقلة كبرى عبر توفير السيليكون واستخدامه في تصنيع الخلايا الشمسية وبسعر اقتصادى وسيحل مشكلات الشباب والمستثمرين في إقامة جميع المشروعات بالمناطق الصحراوية.
الزراعة
وتبرز النظائر المشعة في مجال الزراعة دورا مهمًا بمساهمتها في مضاعفة إنتاجية الفدان ثلاثة أضعاف في حبوب القمح والذرة والسمسم عن الحبوب الأخرى، وكذلك سيتم من العام المقبل القضاء على حشرة «السوس» بالمعالجة النووية والإلكترونية، وسيتم تعبئة الحبوب بأمان تام دون تبخير وسيوفر هذا المشروع ملايين الدولارات تتكلفها الدولة لتخزين الحبوب.
أما مصنع النظائر المشعة والذي كان قد افتتحه المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، فبعد تصريحات لمسئولين في هيئة الطاقة النووية- بوابة المستقبل لمصر خلال الفترة المقبلة، ويعمل المصنع حاليًا على إنتاج النظائر المشعة لسد احتياجات نحو 60 مركزًا طبيًا على مستوى الجمهورية، ومستقبلا سيوفر المصنع نظائر مشعة نووية تستخدم في المجال الطبى مثل “التيكينيسيوم”، وهى من المواد التي تساعد على تشخيص الأورام والسرطانات.
وقد أرسل المفاعل البحثى المتخصص في المواد الإشعاعية “أنشاص” عينات من النظائر المشعة التي ينتجها إلى عدد من دول العالم مثل روسيا والهند وكوريا، لإبرام تعاقدات طويلة الأجل معها.
ويسهم مصنع إنتاج النظائر المشعة في منطقة أنشاص في سد احتياجات السوق المحلية، ومن أهمها المستشفيات الطبية، والتي تستورد احتياجاتها من النظائر بنسبة ٤٠٪، فيقول الدكتور عاطف عبد الحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية: “اقتربنا من سد احتياجاتنا بنحو ٨٥٪، بل وضعنا أنفسنا على أول الطريق لكي نصدر إلى الخارج”.
وتلعب النظائر المشعة دورًا طبيًا مهما في مجال الطب النووي التشخيصي والعلاجي، حيث يعد نظير التيكينيسيوم-99م الناتج من مولد الموليبدنيوم-99، والذي يستخدم في مجال التشخيص هو الأعلى استخدامًا في مجال الطب النووي.
كما يمثل اليود-131 النظير الملائم لعمليات التشخيص والعلاج للغدة الدرقية، حيث إن كل النظائر المشعة المستخدمة بالسوق المصرية في المجال الطبى يتم استيرادها بالكامل من خارج مصر، مما يتسبب في وضع المريض المصرى على قائمة انتظار طويلة، بجانب تحكم بعض الشركات الاستثمارية في السوق المحلية الخاصة بهذه النظائر المشعة، وهو ما دعا الدولة إلى تأمين احتياجات المواطن المصرى من هذه النظائر عند التعرض للظروف الطارئة غير الاعتيادية.
ويوجد (8) مفاعلات على مستوى العالم مستخدمة في تشعيع وإنتاج نظير الموليبدنيوم-99، وهذه المفاعلات موجودة في (هولندا – كندا – فرنسا – بلجيكا – جنوب أفريقيا – بولندا – أستراليا – جمهورية مصر العربية)، ومعظم هذه المفاعلات قد أوشكت على انقضاء العمر الافتراضى لها، مما يجعل فرصة مفاعل مصر البحثى الثانى ETRR-2 ومصنع إنتاج النظائر، ممتازة للدخول في السوق العالمية.
وستدر النظائر المشعة بعد فتح باب التصدير إلى الخارج دخلا بالعملة الصعبة لصالح خزينة الدولة، ووفقا لتقارير هيئة الطاقة الذرية فإنه من المتوقع أن يصل العائد من التصدير إلى نحو ٤٠٠ مليون دولار في عام كمرحلة أولى وستزيد مع تحقيق فائض في القدرات الإنتاجية.
روسيا
ومن أبرز الدول الرائدة في هذا المجال “روسيا”، والتي تحتل في إنتاج النظائر المشعة و”كندا وكوريا واليابان وجنوب أفريقيا وأمريكا والسعودية ومصر”.
الدكتور كريم الأدهم، أكد أن مصنع النظائر المشعة هو قصة نجاح مصرية، مطالبا في الوقت ذاته المتحدث الرسمى لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية، بضرورة وجود مراكز تسويق ترويجية للمواد الطبية التي تنتج من النظائر المشعة، كما أكد دعم المراكز البحثية.