رئيس التحرير
عصام كامل

المتحف الزراعي «حين يسقط التاريخ من محضر الجرد».. 30 فدانا تشمل 50 ألف قطعة أثرية غير مسجلة.. مخططات وزراء الزراعة للتطوير «شو».. والسرقة آخر حلقات مسلسل الإهمال

المتحف الزراعي
المتحف الزراعي

المتحف الزراعي واحد من مخازن التاريخ التي تجلس على دكة الاحتياط، قصر منيف كان ملك ابنة خديوي مصر، مصيره كان التحنيط كمقتنياته بعد أن تنازلت الأميرة فاطمة إسماعيل عنه، كما تنازلت عن الكثير من أراضيها لبناء جامعة القاهرة ومبنى وزارة الزراعة الكائن على بعد خطوات من ناصية المتحف الزراعي.

أنشئ المتحف عام ١٩٣٠، بأمر من الملك فؤاد، وسمي في بادئ الأمر باسمه، شيد لحفظ الذاكرة الزراعية في مصر، باعتبار أن في باطن أرض هذا البلد غرست بذرة سياسة الأمن الغذائي للأمم، قبل أن يقرر نواب برلمان ٢٠١٧ تقنين تجريف الأراضي الزراعية، وكأن ما ضاع لا يكفي.

30 فدانا
٣٠ فدانًا من الخضرة والتاريخ تمتد في قلب القاهرة الكبرى، عند الحد الفاصل بين حيي "العجوزة والدقي"، حيث واحدة من أكثر مناطق مصر ازدحامًا وزخمًا، ٨ متاحف متخصصة في تأريخ أكثر المهن الزراعية والريفية مهارة لدى المصريين، يحوطها سور حجري يفصل بين الأسفلت وحدائق نادرة تضم أشجارًا ونباتات قل أن تجدها في الشرق الأوسط على الأقل، في هذه البقعة قبل عام ونصف العام حاول موظف أن يحول الحديقة إلى كافتيريا بمشروع قرار، وجد أنه يوفر للدولة المال، فطرح مع أحد المقاولين فكرة فتح بوابة على شارع الدقي، وإنشاء كافتيريا وحديقة أطفال.

بلا قيمة

لكن خطته فشلت بعد أن ذاعت الفضيحة، زميل آخر له قبل عدة سنوات وجد أن روعة القصر ومتاحفه الـ٨ منعدمة، طالما لا تدر المال، فلا قيمة لها، فقرر أن يزرع الفاصوليا على ٨ أفدنة داخل أسوار المتحف؛ ليزرع العمال ويحصد الموظفون، لكن القدر يحسم الأمور للتاريخ، ففشل مشروعه بعد أن تكلف أكثر مما طرح من زرع، فحققت الجهات الرقابية، واكتشفت أن تكلفة الزراعة وصلت لـ ٢٨ ألف جنيه، بينما العائد كان زراعة فاشلة أدرت ٢٥٠٠ جنيه فقط.

الوزراء
حاول أكثر من وزير مروا على وزارة الزراعة أن يعلنوا اهتمامهم بالمتحف، وحفظ ذاكرة مصر الزراعية، لكن أغلبهم لم يخل من الشو، ومحاولة استعراض العضلات، تمامًا كما فعل الدكتور صلاح هلال، الوزير الأسبق، الذي يقضي عقوبة السجن ١٠ سنوات، بعد أن "طب" على المتحف قبل أكثر من عامين، وقرر إقالة رئيسه وفتح تحقيقات في حالة المتحف المتردية، لكن بعدها تفرغ الوزير لمصيره الذي حاكه بيديه، واستمر الوضع في المتحف على ما هو عليه.

زار المتحف الزراعي شخصيات كبيرة من سياسيين ورؤساء وملوك افتخرت أمامهم مصر بتاريخها المديد في ابتكار سبل العيش والتطور خلال قرون، لكن كل هذا التاريخ وصل الحال به إلى أن تسجل إيراداته ٦ جنيهات، خلال أحد أيام عام ٢٠١٥، وخرج أحد المسئولين عن إدارته يردد أنه بيع الترمس أنفع وأربح؛ ليكمل مسيرة سابقيه، الذين حاولوا زراعة الفاصوليا.

50 ألف قطعة

٥٠ ألف قطعة معروضة في المتحف الزراعي، أغلبها غير مسجل، بالتالي تحسب كمقتنيات يسهل سرقتها دون أن يتتبعها أحد، فالخارج من المتحف من قطع مفقود، إلا إذا عثر عليه بالصدفة، وإذا كانت السرقة الأخيرة لـ٦ قطع من المتحف تخضع للتحقيق، فإن واقعة أخرى قد تثير الشك والريبة حول ما يحدث في المتحف، ففي مارس الماضي وجهت الرقابة المالية والإدارية بالوزارة خطابا إلى مدير المتحف، بعد أن اختفت محاضر جرد غرفة السودان، التي تحتوي على مضبوطات العاج وناب الفيل المهداة، والتي تصل إلى ٣ أطنان، وتم جردها أكثر من مرة بعد شكوك حول سلامة المقتنيات التي وجد بعضها تالفًا بفعل السوس، وطالبت الرقابة في خطابها بموافاتها بتفاصيل الجرد وسبب اختفاء محاضر الجرد التفصيلية، الخاصة بأغلب مقتنيات المتحف فرغم إتمام المأمورية في الدفاتر، فإن أوراقها في خبر كان، كما أوضح الخطاب وأجاز.

سرقة

على غير العادة في الفترة الأخيرة بدأت وزارة الزراعة في تجديد المتحف الزراعي، وبدأت الأعمال في كل المتاحف في الربع الأخير من العام الجاري، على أن تنتهي الترميمات في ٢٢ يناير المقبل، ولكن سرق المتحف الأسبوع الماضي، وأصبحت عمليات التجديد متهمة بفتح ثغرات لتسلل اللصوص، فالبعض اعتبر ذلك من سوء الطالع، بعد أن وافقت الحكومة على الترميمات والتجديد للمتحف، وشهدت أروقته نشاطًا ملحوظًا نتج عنه إنجاز تجديد متحف القطن الذي يعتبر أهم منشآت المتحف الزراعي، التي تعرض الأصناف الأصيلة من القطن المصري ومراحل تطور هذه الزراعة المهمة التي أصبحت أيام مجدها مجرد ذاكرة تحفظ في المتاحف.
الجريدة الرسمية