رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين كاتدرائيتين!


فوجئ البابا كيرلس السادس بالزعيم جمال عبد الناصر يفتح منديلا من القماش من تلك التي كانت معروفة ومستخدمة وقتها وحتى وقت قريب.. قال عبد الناصر للبابا مبتسما: "تفضل.. هذه حصيلة تبرعات البيت.. أولادي منذ فترة يدخرون من مصروفهم للتبرع لبناء الكاتدرائية، وكلفوني بمنحها لكم لعلمهم أننا سنلتقي اليوم"!


كانت الدولة قد تبرعت بالأرض وعلي مساحة شاسعة لا تضم مبني الصلاة وفقط، وإنما مدينة كاملة للإعاشة ولإقامة الكهنة والرهبان وضيوفهم، وتبرعت كذلك بمبلغ مائة ألف جنيه أسعار البناء وقتها.. وعندما نعرف أنه ووقتها وقبل الكاتدرائية بأعوام قليلة انشأت الدولة شاطئ المعمورة الشهير كله بمبانيه الجميلة الباقية حتى اليوم بثلاثمائة ألف جنيه فقط لأدركنا أن الـ 100 ألف كانت مبلغا كبيرا وقتها!

أصبحت الكنيسة المرقسية بالعباسية المقر البابوي الذي يليق ببابا مصر وأفريقيا وأرثوذوكس العالم، وأصبحت ثاني أكبر كاتدرائية في العالم.. ونقل رفات القديس مرقس، وجاء ضيوف مصر والكنيسة من كل أنحاء العالم لافتتاحها في يونيو 1968.. وكانت فرصة طبيعية لمد جسور روحانية بعد السياسية مع أفريقيا، وخصوصا مع إمبراطور إثيوبيا.. وكانت هذه هي العلاقة في مصر بين عناصر النسيج الواحد للمتباكين عن الوحدة الوطنية في الأربعينيات دون إدراك أنها استمرت هكذا حتى أوائل السبعينيات حتى جري ما جري بعد ذلك من الإفراج عن الإخوان.. وقول الرئيس السادات "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" فكان ما كان مما نعاني منه إلى اليوم!

اليوم وبعد خمسين عاما وبنفس الوتيرة التي بنيت بها الكاتدرائية الأولى، تفتتح مصر غدا الكاتدرائية الثانية، وعلي مساحة أكبر في فضاء متسع لتحتل المركز الثاني، ولتضم مصر ثاني وثالث أكبر كاتدرائيات العالم!

ولأن الأمر ليس أمر أبنية ومنشآت إنما تعنينا الدلالة.. فمصر تعود لسماحتها التي كانت عليها حتى إن هذه الإجراءات من ترميم الكنائس وحمايتها وبناء أخرى تلقى دعما شعبيا كبيرا، يؤكد أن الوعي في مصر يبدأ من الرأس.. من القيادة!

لم تكن في الستينيات ضغوط طائفية،، ولم تكن منظمات حقوق الإنسان موجودة وكما تم تطوير الأزهر بنيت الكاتدرائية.. وهذا يعني أن التلاحم الموجود كان عن سماحة مطلقة.. واليوم نلمح السماحة مرة أخرى من الرئيس السيسي.. تنعكس فيها سماته الشخصية على إجراءاته، والدليل تعامله مع الفتاة الإيزيدية العراقية ومنهجه في التعامل مع المؤامرات التي تحاول التسلل إلينا تحمل بعدا طائفيا مذهبيا بغيضا!

مصر تعود لنفسها.. ليس في البناء فحسب وإنما في تعافي الجسد المصري ذاته، الذي أصابته اخطاء جسيمة سنوات طويلة، كانت فيه مصالح الوطن العليا ورقة في مناورات السياسة!

مبروك لمصر الكاتدرائية الثانية.. رمزا جديدا للسماحة وللتحضر.. وكل عام ومصرنا وشعبنا بكل خير..
الجريدة الرسمية