رئيس التحرير
عصام كامل

«عم محمد».. خادم الفراعنة وصانع الألباستر مقابل 20 جنيها يوميا (صور)

فيتو

(ماتراه ليس مجازًا، أيضًا لايمكن أن يكون حقيقة!.. ذلك البياض المتلحفة به قدماي وجسدي.. ليس لوني، إنما صبغت به فصرت أنا الذي لا أعرفه.. سيدي، كانت خلاياي تحمل فيما سبق لون الشمس والطمي، إلى أن زجوا بي في بهتة الـ "ألباستر").



ماسبق كانت كلمات رددها "عم محمد" رجل في السابعة والخمسين من عمره.. كلمات قالها قلبه فقط وهو يجلس تحت مظلة ضخمة تقيه من شدة الشمس، على بعد خطوات قليلة من معبد حتشبسوت في مدينة الأقصر، تحديدًا في مصنع صغير مفتوح للـ"ألباستر" على الطريق المؤدي للمعبد، حيث يصنع التماثيل الفرعونية الصغيرة والمزهريات التي تضيء في الليل وحدها، تمامًا كما قلبه.


يقول: "أنا قاعد هنا بقالي ياما، بدأت اشتغل لما كان عمري سبع سنين، يعني بقالي خمسين سنة بشتغل في "اللابستر" لحد مابقيت أتنفسه وحافظ كل شق فيه.. هيا مش شغلانتي أنا بس، أنا ورثتها عن أبويا اللي ورثها عن جدي، اللي ورثها عن الفراعنة نفسهم".


يبدأ يوم "عم محمد" منذ ساعات الصباح الأولى، تحديدًا مع صوت مؤذن الفجر الذي يقوم معه إلى عمله اليومي، ويجلس نفس جلسته اليومية، في الزاوية ذاتها، ويرنو بنظره إلى معبد حتشبسوت القريب، ثم يبدأ بالدق على حجر الـ"ألباستر" الذي يتحول في آخر نهار العمل إلى قطعة فرعونية بديعة، يسلمها إلى صاحب المصنع ثم ينصرف.

يقول: "الفراعنة زمان كانوا بيعملوا نفس اللي أنا بعمله دلوقتي، صناعتهم للتماثيل بتمشي بنفس الطريقة اللي إحنا ماشيين عليها، واللي أنا وأبويا ورثناها عنهم".


ينظر إلى معبد حتشبسوت ويشير إليه، ويتابع: "أنت فاكر أن ملوك الفراعنة هما اللي بنوا المعابد الجميلة دي، أكيد لاء، الناس الفقيرة وخدامين الفراعنة هما اللي بنوا، وأنا زيهم، أنا خدام الفراعنة اللي ببني الجمال".


وإشارة "عم محمد" إلى فقره لم تكن من فراغ، حيث يتقاضى أجرة يومية تبلغ 20 جنيها فقط، أي 460 جنيها شهريًا مع اقتطاع الإجازات الأسبوعية وهو ما لا يكفي للعيش الكريم، ولا يمكنه من إعالة أسرته وتدبير احتياجاتهم التي وصلت إلى حد عملية جراحية في عين نجله الذي تخرج من الجامعة، ولم يجد وظيفة تأويه، فبات ينتظر الجنيهات البسيطة التي يلتقطها والده من الألباستر.

يقول: "عندي ولدين اتخرجوا، بس مفيش شغل في القرية كلها، خاصة بعد ما السياحة خفت.. فقعدوا في البيت، والعشرين جنيه لا هتكفي أكل ولا شرب ولا العملية اللي محتاجها ابني في عينه وهتتكلف 30 ألف جنيه".


"البقشيش" هو الحل العملي الذي انتهجه "عم محمد" ليستطيع إخراج جنيهات أكثر من اليوم، فما أن يمر على المصنع سائح حتى يهديه "حجر ألباستر" صغير، فيعطيه السائح "مافيه النصيب من بقشيش" ليتقاسمه هو وزملاؤه في العمل.. وما أن تسأله "هتورث حرفتك لأولادك؟" حتى يضحك ويقول: "مستحيل.. هو أنا لاقي آكل، لما أرمي أولادي كمان في الشقا".
الجريدة الرسمية