المسيح المشرد
بينما كان النحات الكندي "تيموثي شمالز" يسير في شوارع مدينة تورنتو في إحدى لياليها الباردة، رأى أحد الفقراء بلا مأوى، "Homeless"، نائمًا على أحد المقاعد بالشارع، ومغطيًا أجزاءً من جسمه محاولًا التدفئة، ومغطيًا وجهه هروبًا من نظرات الناس له، فتأثر "تيموثي" بهذا المشهد، وخطرت إليه فكرة لتشجيع الناس على مساعدة الفقراء والمشردين، فصنع تمثالًا من البرونز لرجلًا ينام بنفس الوضع على أريكة ومغطيًا وجهه وتظهر قدميه بلا غطاء لتجد آثار المسامير، في إشارة للسيد المسيح، وسمي ذلك التمثال "متي 25" في إشارة إلى آية تلك الإصحاح بالكتاب المقدس والتي تقول: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ".
وعُرف ذلك التمثال في العالم باسم "Homeless Jesus"، أو "Jésus le sans-abri"، أي "المسيح المشرد"، والطريف أن النحات الكندي "تيموثي شمالز"، ترك مكانًا تحت أقدام تمثال المسيح الذي صنعه، حتى يجلس الناس ويتعلموا درس مساعدة الآخرين، والحقيقة أن شخص السيد المسيح كان على مدى التاريخ ملهمًا لكل عمل رحمة، ومفجرًا لكل طاقة حب في قلوب البشر، وملهبًا لمشاعر العطف على المتعبين، كما قال أغسطينوس عنه "لقد قرأت في أقوال أفلاطون وشيشرون أقوالًا حكيمة جدًا وجميلة جدًا، لكن لم أقرأ في أيٍ منهما، تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال"، وهذا لم يكن رأي أغسطينوس وغيره من المؤمنين بالمسيح فقط بل وحتى غير المؤمنين به وبرسالته وخلاصه شهدوا لهذه الشخصية العظيمة الفريدة، فعنه قال "اليهودي الديانة، ألبرت آينشتين: أنا يهودي ولكني مسحور بالشخصية المضيئة للناصري، لا أحد يستطيع قراءة الإنجيل دون الشعور الفعلي بوجود يسوع، ولا توجد خرافة تمتلئ بمثل هذه الحياة.
وعنه قال المؤرخ هربرت ويلز: أنا مؤرخ ولست مؤمنًا ولكني أعترف أن الواعظ الفقير من الناصرة هو بلا مبالغة مركز التاريخ، ويسوع المسيح هو المهيمن على التاريخ البشري.. وقال الكاتب المصري المسلم، "على عويس": لم يأت المسيح ليغلب بإنجيله دينًا أو يهزم معبدًا، بل جاء لُينشئ إنسانًا يفيض على الحياة بقيم المحبة والتسامح والسلام التي هي في حقيقتها محراب كل دين وأصل كل معبد.
إنه المسيح ولا غيره الذي جالس الفقراء والضعفاء دون الأغنياء والأقوياء، الذي دخل بيوت البسطاء والمحتقرين عوضًا عن الرئاسات والسلاطين، الذي عاش بسيطًا حانيًا ولكنه أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة.. في ذكرى ميلاد السيد المسيح، كل عام والبشرية بخير، كل عام والعالم يعيش تعاليمه فوقتها فقط ستتحول الأرض إلى سماء.