تكريم الشعب في حادث حلوان
المذهل في حادث حلوان الإرهابي هو الإنسان المصري العادي.. والذين صوروا الحادث.. الذين ألقوا بالأحجار على إرهابي مدججٍ بالسلاح.. والمواطن الذي تلقف السلاح بعد استشهاد أمين الشرطة؛ وأكمل دور الشرطة بإصابة الإرهابي اللعين.. والمواطنون الذين انقضوا عليه وشلوا حركته وسلموه للقوات.. المصلون في الكنيسة الذين عاشوا لحظات الرعب بقلوب مؤمنة.. المواطنون الذين اصطفوا في بلكونات منازلهم وأصواتهم المصاحبة للفيديوهات وكيف كانوا شجعانا.
إمام المسجد الذي اعتلى منبره طالبا نجدة المصلين في الكنيسة.. الشباب الذين تحركوا لنجدة العاكفين في كنيستهم.. المواطنون الذين اختفوا خلف السيارات لاقتناص فرصة القبض على المجرم العتيد.. السيدات اللاتي أطلقن زغاريد الفرح بإصابة القاتل في ساقه.. الفرحة التي عمت أجواء حلوان بانتصار الشعب وإرادته على كل صنوف الإرهاب ومموليه وعناصره الإجرامية اللعينة.
هذا هو الشعب المصري في نسيجه.. هذا هو الشعب المصري الذي قرر منذ «اعتلاء الجماعة الإرهابية» أن يستعيد مصر مهما كانت التضحيات.. هذا هو الشعب الذي طالبنا مرارا وتكرارا بألا نغفل دوره في مواجهة الخطر.. هذا هو الشعب الذي صرخنا منذ سنوات بأن نجعله هو حائط الصد في الحرب على الإرهاب.. في وأده.. في القضاء عليه.. في تجييشه، والإيمان بما يمكن أن يقوم به.
ذلك هو الشعب الذي يسبق الدولة دائما، فيما يطلبه الوطن منه.. هو ذاته الشعب الذي انطلق «متبرعا» بدمائه أثناء حرب أكتوبر المجيدة.. هو نفسه الشعب الذي تاب لصوصه أثناء الحرب.. هو هو ذاته الذي حمى الجبهة الداخلية بالزهد فيما تحتاجه البيوت في كل حرب.. هو نفسه الذي تحرك بجموع غفيرة رافضا الهزيمة عام ١٩٦٧م.. هو نفسه الشعب الذي قدم للوطن في ٣٠ يونيو وقودا لمعركة فاصلة بين الخير والشر.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الجهاز الأمني أصبح صاحب الفعل الأول منذ فترة.. هاجم مجموعات في عقر دارها قبل أن تتحرك لتنفيذ مخططاتها.. هاجمهم في الصعيد وفي الجيزة وفي المزارع وفي الشرقية.. صحيح جهاز المعلومات بالأمن الوطني بدأ يسترد عافيته ويكون في بؤرة الأحداث.. صحيح نجحت قواتنا الأمنية في رصد كل التحركات المشبوهة في الشارع المصري، وصحيح يدنا الأمنية أصبحت أكثر قوة بما لديها من معلومات، ولكن الصحيح في حادث حلوان أنه نقطة فارقة في المواجهة؛ لأن الشعب الأعزل هو البطل فيها.
كان لزاما على وزارة الداخلية أن تصدر بيانا تؤكد فيه على هذا المعنى.. أن توضح فيه كيف تعانقت جهود رجالها مع وعي المواطنين في مواجهة كارثة.. كان من المفترض أن تؤكد الوزارة في بيانها أن نجاحها مرتهن بوعي الناس واستجابتهم لنداء الوطن.. وكان لزاما على السيد الوزير أن يتروى قليلا في قصة تكريم مدير أمن القاهرة، حيث لم تكن جثامين شهداء الوطن قد بردت، ولم يكن أهلوهم قد استفاقوا من الصدمة ولم يكن من المناسب سياسيا أن يحدث ذلك والناس لا يزالون غرقى في أحزانهم. وحماية لأبنائنا من قوات الشرطة؛ يصبح فرضا علينا أن نتساءل عن جاهزيتهم وتسليحهم وقدراتهم الفنية، والتدريبية واستعدادهم لمواجهة الخطر..
مشهد مصفحة الشرطة وهي تتجول حول القاتل دون أن تشتبك لا يزال يغري الأعداء بالنيل من عزيمتنا.. تجول الإرهابي في شوارع حلوان لمدة غير قصيرة دون وصول قوات الشرطة والتعامل معه يلهم الخصوم مادة ينفذون منها إلى إرادتنا وعزيمتنا..
استهداف كنيسة في وقت هو أعلى ذروة للتهديد، وبهذه السهولة؛ يفرض علينا أن نتصارح حول خططنا الأمنية وصحوة أبنائنا.
طرح الأمور للنقاش الجاد الآن هو الطريق الصحيح لحماية جنودنا وضباطنا، فالهدف ليس الشهادة إنما النصر والانتصار ودحر الإرهابيين وقتلهم ومطاردتهم.. كلما حققنا ذلك بأقل الخسائر نكون قد نجحنا فيما نصبو إليه.
أعلنت وزارة الداخلية عن خطة أمنية لحماية كل الكنائس، ونحن نعلم صعوبة ذلك وما يفرضه من جهود جبارة، إلا أن عامل اليقظة بحاجة إلى تدريب.. بحاجة إلى وعي حقيقي بطبيعة المجرمين وخستهم ونذالتهم.. بحاجة إلى مناقشة إمكانيات أبنائنا التسليحية والفنية، وما يجب أن نطالب بتوفيره حتى ولو كان ذلك من أقواتنا.. من لحمنا، من دمائنا، من مساحة حركتنا.. لا بد من توفير الحماية الكاملة للمقاتلين بتدريبهم تدريبا راقيا ومهنيا ومحترفا.