رئيس التحرير
عصام كامل

في محل عم عباس.. هنا انحنت رءوس نجوم الأهلي

فيتو

الحلاقة فن وهندسة وليست فقط ضربات بالمقص لتقصير الشعر أو إزالته، ولا مبالغة إذا قلنا إنه عمل دقيق لإبراز جمال وجه الرجل في أبهى صورة، وتزداد صعوبة المهمة إذا كان الهدف «تزيين» وجه شخص مشهور تتابعه ملايين الأبصار في لحظة واحدة.


لكن يتحول الأمر إلى متعة حقيقية إذا نجح الحلاق في كسب رضا «الزبون» وكذا معجبيه، وتزداد المتعة إذا اختلطت المهنة بذكريات عشرات السنين مع أبرز نجوم كرة القدم في النادي الأهلي ساعتها تتحول المهنة إلى منحة نادرة التكرار.



أسفل مدرجات مختار التتش يجلس عم عباس إمام، داخل محل مساحته لا تتعدى 3 أمتار، لكنه استضاف أبرز نجوم الكرة في مهمة من نوع خاص أمثال الأسطورة صالح سليم ومحمود الخطيب، ومن خارج الوسط الرياضي النائب العام عبد المجيد محمود وعباس باشا الغمراوي وفكري باشا أباظة.

«لو الناس كلها بتحب مصر زي ما الأهلاوية بيحبوا ناديهم سنصبح أحسن دولة في العالم» بتلك الكلمات البسيطة افتتح عم عباس حلاق نجوم النادي الأهلي حديثه معنا ساردًا تاريخا طويلا يصل إلى 80 عاما بحلول عام 2018 مع أساطير تركوا بصمتهم في التاريخ في نادي القرن داخل المستطيل الأخضر.

يرفع عم عباس عينيه إلى أعلى في حديثه معنا، ليعيد ذكرياته عن بداياته في نادي الأهلي قائلا: «أنا فاكر أول مرة مقصي حلق للاعبين كانت ثمنها عشرة صاغ سنة ٦٤، كان الاشتراك الشهري ١٥٠ قرشا في الشهر للاعب وأسرته حلاقة 4 مرات، تشمل الشعر والذقن، من أكثر اللاعبين كرمًا معايا الكابتن محمود الخطيب وسيد عبد الحفيظ وأسامة عرابي وربيع ياسين، أما على النقيض كان عصام الحضري بيدفع ثمن الحلاقة وبس من غير حتى بقشيش».



يعلو حزن طفيف على ملامح عم عباس ويقول: «دلوقتي بقى خلاص كل الأجيال دي بتروح لحلاق في فندق غير شريف إكرامي ما زال مواظبا على الحلاقة عندي».

وينفض عم عباس أحزانه ليسترجع ماضيه الذهبي مع لاعبين قائلا: «زمان كانت الحلاقة مصدر تفاؤل للاعبين قبل كل مباراة مهمة دائما أحمد شوبير وثابت البطل وزكريا ناصف وشادي محمد وغيرهم يحلقون عندي قبل كل مباراة».

تركيزه في أقل تفاصيل حتى في حلاقة شعره تحت مقص عم عباس، هكذا كان الخطيب منذ انضمامه للأهلي «مرة في أواخر السبعينيات كابتن الخطيب طلب مني أعمله استشوار قبل مباراة مهمة زي باقي اللاعبين، خلصنا الحلاقة من هنا قالي إيه ده أنا أمشي في النادي كده لا لا اغسلي شعري، كان عكسه كابتن شطة عندما جاء لي قلت له: اترك لي شعرك وكانت النتيجة حلقته خالص لدرجة أن كابتن صالح سليم قال له: إيه ده يا شطة مين هيعرفك كده بعد الحلاقة دي».

مقص عم عباس لم يعرف فقط رأس لاعبي القلعة الحمراء لكنه وجد طريقه إلى رأس الزملكاوية "زي ما كنت بحلق للأهلوية كان للزملكاوية نصيب معايا كانوا بيدخلوا النادي الأحمر أحلقلهم منهم كابتن حمادة إمام ونبيل نصير وغيرهما، شهرتي داخل الوسط الرياضي شجعت ناس كتير تيجي تحلق عندي من رموز الدولة وبشاوات مصر منهم فكري باشا أباظة وقائد حراسة الرئيس جمال عبد الناصر".



لم يتخيل عم عباس وهو في عمر 17 عاما أن يقف في وجه محافظ الإسكندرية داخل محله الصغير ويرفض له طلبا فيقول: «في يوم عبد المنعم وهبة محافظ الإسكندرية الأسبق في عهد الرئيس عبد الناصر أراد أن يحلق عندي، وعندما جلس أمامي على الكرسي قلت له: لا يا بيه في أستاذ تاني جاي قبلك، في ذلك الوقت وهبة زعل جدا، وخرج غاضبا وكانت أول مرة يدخل المحل، لكن تفهم الموقف سريعا وخاصمني شوية لمدة شهر ونص كده بعدها رجع أحلق له عادي، وقتها احترمت رد فعله وتفهمه لي رغم صغر سني، كل من حلقت لهم من نجوم كرة ورجال دولة كان الفضل الأول والأخير للنادي الأهلى هو سبب الخير ده كله».

وبعيدا عن الحلاقة تمتلئ ذاكرة عم عباس باحتفالات كان شاهدا عليها بين جدران القلعة الحمراء، فيروي: «زمان كنا ناخد الدوري أو الكاس فينظم النادي حفلا كبيرا في الملعب بحضور أعضائه، ويأتي كبار الفنانين منهم شكوكو وهدى سلطان ونجاة الصغيرة، وتكون سهرة مليئة بالاحتفال والغناء، والكأس ودرع الدوري يزينان المسرح أمام الجميع.



لم تكن قصات عم عباس دائما ناجحة على رءوس زبائنه فيقول ضحاكا: «كان في معلومة زمان خاطئة ووقتها صدقتها تقول، إن الشعر الخفيف يحلق بالموس، فقلت للسباح الكبير عبد اللطيف أبو هيف هنجربها أنت شعرك خفيف بسبب السباحة، لكنه كان قلقا ولا يريد فنام واستيقظ وجدني حالقا شعره كله بالموس، وقتها ركض ورائي في النادي الأهلي كله، وانتهى الأمر عندما قال لي: منك لله وارتدى الكاب ورحل، وكان ذلك من أطرف المواقف التي لن أنساها في حياتي رغم ذلك كابتن أبو هيف لم يستغنَ عن مقصي وعاود المجيء مرة أخرى وتقبل ما حدث بصدر رحب».

في ركن من ذكريات عم عباس يحتفظ بمواقف هي الأثمن من الحكايات والمواقف التي كان طرفا فيها أو سمع عنها مع الأسطورة فيقول: «كابتن صالح سليم لما كان بيتعالج في لندن وقتها كلمه مدير الكرة قائلا له، حسام وإبراهيم رافضين التجديد، ولا بد من رحيلهما وكمان سنهما ٣١ سنة، في ذلك الوقت أتذكر أن مرض كابتن صالح كان شديدا وكلف ثابت البطل بإدارة الأزمة، وعندما رجع مصر كانت مباراة للزمالك في البطولة العربية انتهت بفوز الفريق الأبيض بمشاركة التوءم حسام وإبراهيم في ذلك الوقت، أتذكر ما قاله بعصبية شديدة «مين يا عدلي -يقصد عدلي القيعي- اللي قال حسام وإبراهيم سنهم كبر دول يلعبوا خمس سنين قدام مش سنة واحدة واتنين» ودي كانت أكتر لحظة أشوف فيها كابتن صالح شديد العصبية؛ بسبب رحيل نجم كبير بحجم حسام حسن، وفعلا تحققت كلمة صالح سليم ولعب بعد ذلك حسام حسن أكتر من خمس سنوات».

محفظة عم عباس لم تخلُ من بقشيش أسعد قلبه فيقول: «أعلى بقشيش أخدته كان سنة ٦٠ كان شلن جديد وبيلمع من فكري باشا أباظة وكابتن صالح عام ٢٠٠١ دفعلي عشرة جنيهات، أما في ٢٠١٥ أخدت من مارتن يول بحكم أني كنت الحلاق بتاعه ٥٠٠ جنيه ده أغلى بقشيش أخدته ومحتفظ بيهم لحد الآن، الفلوس دي كلها عشان بتمثلي ذكريات كويسة مع ناس حبوا الأهلي فحبتهم».

«من عاشر القوم 40 يوما صار منهم» أما عم عباس فعاشر الأهلي لعقود جعلته قريبا من المدربين الأجانب للفريق الأحمر، وكانت سببا في دخوله عالم الماكينة الكهربائية فيقول: «أول ماكينة حلاقة كهرباء مسكتها كانت سنة ٨٠، في ذلك الوقت كان المدرب كابتن هديكوتي اشتراها من المجر عندما طلبتها منه وفعلا أوفى بكلمته معي ومع أول إجازة لما سافر كانت ماكينة الحلاقة في يدي».



في النهاية وجه عم عباس رسائل لكل الأجيال التي جاءت داخل جدران القلعة الحمراء قائلا: أشكر عباس باشا الغمراوي اللي جاب والدي النادي الأهلي سنة ٤٨ وأحب أقول إن الخير اللي إحنا فيه ده كله بسببك.. ربنا يرحمك. 

أما الكابتن صالح سليم.. خسر كثيرا من لم يشاهده ولم يتعلم منه، أما الأسطورة الخطيب.. أنت الابن الشرعي لصالح سليم، وأخيرًا محمود طاهر.. محدش ينكر الطفرة الإنشائية التي أحدثها في النادي بصفة عامة، خاصة أنك قمت بتجديد محل الحلاقة الخاص بي مجانا بصفة خاصة.
الجريدة الرسمية