رئيس التحرير
عصام كامل

ملاحظات على مصطلحات الرئيس


ربما لا يخلو لقاء أو خطاب للرئيس السيسي إلا وينحت مصطلحا جديدا من مخزون التجربة الشخصية للرجل، فهو ابن الجمالية المنطقة الشعبية بعبق القاهرة الفاطمية، التي تدفع أبناءها للإبداع، وهو أيضًا ابن المؤسسة العسكرية بكل تقاليدها العريقة ومصطلحاتها، وهو الذي سافر لأمريكا في فترة دراسته، والسعودية خلال عمله، وهي تجارب عديدة تضيف رصيدًا من المعرفة والخبرة تدفعه كثيرًا للارتجال، واستخدام الكثير من المصطلحات التي تبدو غريبة على آذان المستمعين، إذا صدرت عن الرئيس، ورغم أن بعض المخلصين قدموا النصح بعدم الارتجال، فإن الرجل يُؤْمِن بأنه على حق، وهو الأدرى بطرق توصيل رسائله، وإن اللغة الشعبية البسيطة المستمدة من التراث والحياة اليومية هي أقرب وسيلة لقلوب وعقول الناس، وربما يكون ذلك صحيحًا..


ولكن بعض المصطلحات عندي غير مريحة لارتجالات الرئيس رغم معرفتي بحسن نوايا الرجل، وحماسته في تأكيد بعض الرسائل التي يريد أن تصل للأغلبية، لدرجة أن قام أحد المواقع باستدعاء متخصص في اللغة العربية لتفسير لفظ "نهابر" التي ذكرها الرئيس، حينما قال: "لازم نعافر ونهابر لبلدنا عشان تاخد مكانها"، وهي كلمة عامية تفسر قياسًا على ما سبقها، ثم كان اللفظ المؤثر جدًا والذي أدهش الجميع عندما قال "والله العظيم لو ينفع أتباع لأتباع في معرض"؛ لتدليله وتأكيده استعداده للتضحية بنفسه فداءً للوطن..

وكما نرى فهناك حسن نية، ولكن التأويلات التي صاحبت ذلك أخرجته عن السياق الذي كان يقصدة الرجل، وفي هذا الإطار ليس مطلوبًا من الرئيس القسم بأغلظ الإيمان على ما يقول؛ لأن الناس فرضوه ووثقوا فيه، وهم يصدقونه ويستشعرون الأمانة والطهارة في سلوكه، ولذا فإن تكرار القسم في معظم لقاءاته لا تريح كثيرًا من محبيه، عكس مقولته إن "مصر أم الدنيا وهاتبقى أد الدنيا"، و"متكسروش بخاطر مصر" و"مسافة السكة"، ومصطلحات الحسم مع العاطفة، "هنشيِّل بلدنا على كتفنا لا هنسيبها ولا هنضيعها واحنا مستعدين نموت كلنا بس تفضل مصر ولو طلت أجيبلكم حتة من السما هجيبلكم"، ثم كانت عباراته المؤثرة لإرضاء سيدات مصر بعد واقعة التحرش الجماعي (حقكم علينا إحنا آسفين إحنا مش كويسين).

وأصبح تعبيره (انتوا ماتعرفوش إن انتوا نور عنينا ولا إيه) التي أسرت قلب المرأة المصرية، وفي برلين قال للجالية المصرية "أنا لست زعيمًا ولا رئيسًا أنا واحد منكم أنا ربنا خلقني طيب وأعرف كيف أصف وأشخص الحالة"، ولم يرتاح الكثيرون لإصرار الرئيس على مصطلح "القوة الغاشمة"؛ لأن القوة العاقلة وقوة العقل السياسي يحققان أضعاف ما تحققه القوة الغاشمة، وبتكاليف أقل في الإصابات والشهداء والتسليح، خاصة أن معركة مواجهة الإرهاب ليست مسئولية الجيش والشرطة، ولكنها الوطن بمؤسساته ومواطنيه، خاصة أن الغشم في قاموس العرب تعني أنها تنال غير الجاني في الحرب، الأمر الذي استدعى المتحدث الرسمي لتوضيح ما كان يقصده الرئيس من هذا اللفظ.

وخذ مصطلح "عشان نبنيها" شعار الحملة التي تجمع التوقيعات لإعادة انتخاب الرئيس"، وإذا كان صحيحًا أن الرئيس لا علاقة له بها شكلا، ولكن الصحيح أيضًا أنه مسئول بحكم معرفته بها، وتحمل اسمه ويقودها رجال محسوبون عليه، وهم يجمعون تلك التوقيعات من المواطنين، الذين هم في نفس الوقت الناخبون المفترضون، فلمن يوجهون هذه التوقيعات، والأمر المؤكد أنها ليست للشعب؛ لأنهم يجمعونها من الشعب نفسه، مما يشير إلى حالة الارتباك والعشوائية والأجواء الغامضة، فالأسئلة المطروحة طوال الوقت أكثر من الأجوبة المتاحة، الأمر الذي يجعل العقول مهيأة لاستقبال الشائعات والتأويلات، والأخطر في غياب اليقين من التأويلات لبعض المصطلحات وخاصة في ظل وعود متكررة، وفي كل مرة يتم تأجيلها بدون تقديم أي مبرر مقبول، وتلك بعض الملاحظات التي لا تبغي النقد، ولكن الرصد لفهم ما يجري خوفًا من ضياع اليقين بالمستقبل الذي نراهن عليه منذ أربع سنوات مضت.
الجريدة الرسمية