رئيس التحرير
عصام كامل

مترو «الزمالك».. ومنطق «الاستعلاء»


رفض سكان الزمالك لوجود محطة مترو الأنفاق في الحي الراقي الذي يعيشون فيه، ليس أكثر من "حالة استعلاء" وتغليب مصالحهم الخاصة على المصالح التنموية للدولة وليس له سند من منطق أو عقل، ذلك أنهم يتناسون أن المحطة التي يحاربون لعدم إنشائها ستخدم مئات الآلاف من طلاب الجامعات والغلابة، الذين ترتبط مصالحهم ووظائفهم بمنطقة الزمالك، ويظل المترو هو وسيلة الانتقال السريعة والمريحة والرخيصة لكثيرين ممن لا تحتمل رواتبهم ركوب التاكسيات أو غيرها من وسائل النقل مرتفعة الثمن.


أتفهم مخاوف سكان الزمالك "المشروعة" والمنطقية والبديهية في ظل حالة الانفلات الأخلاقي وغياب الشرطة المجتمعية وتحول عربات مترو أنفاق القاهرة الكبرى إلى "سويقة" للباعة الجائلين الذين تعجز الشرطة عن منعهم من التسلل إلى حرم المحطات لينادون على بضاعتهم وتختلط أصواتهم بصوت مذيع السماعات الداخلية للمترو وهو يخاطب الركاب بـ"الإنجليزية"، وأقدر مخاوفهم من أن تجلب محطة المترو حولها "خلية" من فوضى التكاتك والباعة الجائلين والعشوائية غير المعتادة في الحي الراقي الذي يضم نحو 53 سفارة وقنصلية وبازارات وأتيليهات أكبر مصممي الأزياء، وعاش فيه أغنياء مصر وباشاواتها وسياسيوها وكبار مسئوليها ومشاهيرها من كبار الفنانين ومنهم إسماعيل ياسين وسعاد حسني ومحمود المليجي ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفؤاد المهندس وغيرهم، ويضم برج القاهرة الذي بناه عبد الناصر وحديقة الأسماك وكذلك فندق الماريوت الذي كان قصرا بناه الخديو إسماعيل لكي يستقبل فيه ضيوف حفل افتتاح قناة السويس، وعمارة ليبون التي سكنت فيها ليلى مراد وأنور وجدي وفاتن حمامة وشريهان ومحرم فؤاد، وساقية الصاوي التي تعد أول مركز ثقافي خاص في مصر ودار الأوبرا المصرية وكوبري 15 مايو.

هناك لجنة هندسية أمرت محكمة القضاء الإداري بتشكيلها لقياس المخاطر التي تتعرض لها المنطقة بسبب الحفر، لكن الخطورة تكمن في أن هذا المنطق قد يفتح الباب ويمنح الحق لسكان حي المهندسين أو العجوزة أو الدقي أو مصر الجديدة مثلا لطلب إلغاء محطات المترو في محيط سكنهم لنفس الأسباب، فإذا استجابت الدولة لسكان الزمالك سوف يصبح عدم استجابتها لسكان هذه المناطق نوعا من التفرقة والعنصرية والتمييز، وقد يلجأون لإقامة دعوى أمام القضاء الإداري لإيقاف أعمال حفر أي مشروعات حالية أو مستقبلية، كما أن نفق الأزهر مثلا تم بناؤه أسفل المنازل في واحدة من أقدم المناطق السكنية في مصر، ومع ذلك لم تتعرض المنازل لأي ضرر.

إن نص المذكرة التي تقدم بها محمد المسعود نائب البرلمان لإيقاف أعمال حفر المرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق في الزمالك ظاهرها "المخاوف" وباطنها "الاستعلاء"، وشعرت بعد قراءتها وكأن المترو سيهدم السياحة وسيهدم المباني وسيهدم كل شيء في حي أبناء الذوات، وبالتالي مطلوب من الدولة التوقف عن إنشاء خطوط مترو جديدة، لأن كل الأحياء التي سيتم الحفر فيها معرضة للانهيار، وبالتالي لن يتم إنشاء خطوط مترو أنفاق جديدة في مصر.

حالة الطبقية تجسدت في كلام إحدى ساكنات الزمالك عندما قالت في المؤتمر الصحفي الذي عقدته المجموعة الفرنسية المنفذة لمشروع المرحلة الثالثة لمترو الأنفاق "هل ننشئ محطة لراحة كام ألف طالب زائر للمنطقة ويتعب أهل الزمالك طول الوقت؟"، ما التعب الذي سيسببه إنشاء محطة مترو تمثل شريانا مهما لنقل السكان والمقيمين والموظفين؟

يتناسى سكان الزمالك وهم يديرون "معركتهم" أن هذا الحي يشهد تكدسا وازدحاما ملحوظا بحكم كونه يضم 5 كليات ويتجاهلون أن عدد زائريه يوميا يعادل إجمالي عدد سكانه بجانب وجود 16 بنكا و16 فندقا و5 أندية وعدد كبير من الشركات والمؤسسات، كما يتجاهلون أن خط المترو سيوفر على الدولة تشغيل 40 ألف رحلة أتوبيس و145 ألف رحلة ميكروباص بما يعادل توفير 6.5 مليارات جنيه في العام الواحد، ويتناسون أنه في حالة إلغاء المحطة فإن المسافة بين محطتي ماسبيرو ومحطة "الكيت كات" تحت مياه النيل ستصل إلى 2200 كيلو متر بدلًا 1200 كيلو متر.

ومع كامل الاحترام لموقفهم، أتصور أن على سكان الزمالك إعلاء "المصلحة الوطنية" والتنموية خصوصا أن كل الحلول البديلة التي طرحوها غير قابلة للتحقق بما فيها نقل موقع المحطة إلى مياه النيل، أو مرور خط المترو من أعلى كوبري يمر من فوق النيل ومواز لكوبري إمبابة متجها مباشرة إلى منطقة "الكيت كات" دون المرور بالزمالك.

وأتصور أن تكون معركتهم الحقيقية المقبلة هي منع الفوضى والعشوائية والتكاتك والباعة الجائلين وغيرها بعد إنشاء محطة المترو، فهذه المخاوف لا يمكن أن تكون مبررا لإلغاء محطة من المخطط العام للخط الثالث للمترو، وعليهم أن يدركوا أن قرار إنشاء محطة مترو من عدمه من الأمور السيادية للدولة.

الجريدة الرسمية