رئيس التحرير
عصام كامل

«الغوطة الشرقية بسوريا.. آلام الحالات الحرجة تنتهي بالموت».. «حنان» تلقى ربها بعد صراع مع سرطان الرئة والكلى.. ووالد الطفلة «روان» يبحث عن طبيب يعالجها من الشلل الدماغي

فيتو

رغم أن فرق الإغاثة تحاول الإسراع بإنقاذ السوريين ذوي الحالات الحرجة، والذين يعانون تحت وطأة الحصار في الغوطة الشرقية، إلا أن بعضهم يموت قبل أن تصل إليه يد المساعدة، في حين يخشى آخرون نقلهم إلى دمشق خوفًا من الانتقام.

اعتادت حنان الحمصي أن تصرخ طوال الليل من الألم، لتوقظ صرخاتها ابنها وحفيدتها في الغوطة الشرقية المحاصرة شرقي العاصمة السورية دمشق، وبالإضافة إلى عزلتها عن العالم الخارجي، كانت تعاني من سرطان الرئة والكلى، لكنها لم تتمكن من الحصول على العلاج الذي كانت تحتاجه منذ عام 2013.

ها قد انتهت معاناتها، فقد ماتت على ذراعي ابنها في 23 ديسمبر الجاري، وقبل لحظات من موتها، وبالرغم من أنها بالكاد كانت تستطيع الكلام، تلفظت بكلماتها الأخيرة لتنطق بالشهادتين، التي هي الركن الأول من أركان الإسلام.

يقول ابنها علاء الحمصي الذي يبلغ الثلاثين من العمر: "إنه لفضل من الله أن أكون مع والدتي وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة"، ويتابع: "كانت تأمل دائمًا أن تستطيع الخروج (من الغوطة الشرقية)، وكانت دائمًا تقول لنا أنها تدعو الله ليتم إجلاؤها".

توفيت الحمصي وهي في السابعة والأربعين من العمر، وكانت من بين 500 شخص صنفتهم الأمم المتحدة أنهم بحاجة إلى نقلهم إلى دمشق، على بعد 15 كيلومتر، لإنقاذ حياتهم، لكن عدد الذين طلبوا إجلاءهم من المنطقة هو أكثر من 640 شخصا، وفقًا للجمعية الطبية السورية الأمريكية، التي تهتم بالوضع الطبي المتأزم في سوريا.

ويتناقص عدد الأشخاص المدرجين على قائمة الأمم المتحدة تدريجيًا بسبب موت أولئك المرضى، وبالرغم من ذلك تظهر أحيانًا بارقة أمل للبعض. ففي يوم الأربعاء (27 ديسمبر) قالت اللجنة الدولية الصليب الأحمر إن الحكومة السورية وافقت على إجلاء 29 شخصا من ذوي الحالات الطبية الحرجة من الغوطة الشرقية.

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا إنجي صدقي لوكالة فرانس برس "أجلينا بالأمس 12 مريضًا، غالبيتهم أطفال، مع أفراد من عائلاتهم"، مشيرة إلى أن غالبية من تم إجلائهم حتى الآن يعانون من "السرطان وأمراض مزمنة وأخرى في القلب". وأعربت اللجنة الدولية عن أملها في إجلاء باقي المرضى قريبًا، من دون أن تحدد ما إذا كان سيتم استكمال العملية الخميس.

حصار يسبب الشلل
وُلدت روان الناصر قبل عدة أسابيع من انطلاق حركة الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وهي تعاني من العديد من الأمراض المزمنة، وتشكو الآن من الشلل الدماغي ونزيف الكلى والتشنجات العصبية وأمراض الكبد.

وتعاني روان من سوء التغذية، وذلك فهي غير قادرة على استهلاك الطعام إلا من خلال أنبوب.

يقول والد روان، مهند، إن ابنته كانت قادرة على المشي، ولكن الحصار أصابها بالشلل منذ عام 2013.

لم يتمكن الأب من العثور على طبيب مختص لمعالجتها في الغوطة الشرقية، حيث لا يزال هناك 107 أطباء مؤهلين لمساعدة الآلاف من الناس، كما أنه لا يستطيع الحصول على القائمة الطويلة من الأدوية التي تحتاجها روان. وفيما يتعلق بالمشهيات، فهي تتطلب نوعًا خاصًا من الحليب، وإعطاؤها حليبًا من علامة تجارية عامة يمكن أن يجعل حالتها تتفاقم، أو حتى يسبب موتها.

يقول والدها لـ DW :"علينا أن نطعمها شيئًا ما"، ويتابع: "لقد أعطيناها أنواعًا أخرى من الحليب، كيلا تجوع، ولكن عندما تشربها (الأنواع الأخرى)، فإنها تتسبب لها بمشكلات أخرى في المعدة والكبد".

في العام الماضي أصبح الحصار خانقًا أكثر لروان. ففي أبريل، سيطرت القوات الحكومية على برزة والقابون - وهما حيّان شرقي دمشق – ما مكنها من إغلاق الأنفاق التي كانت تُستخدم لإدخال الأسلحة والمواد الأساسية إلى الغوطة الشرقية. وقد اشتد الحصار أكثر في أكتوبر بعد أن أغلقت الحكومة معبر مخيم الوافدين، وهو المعبر التجاري الوحيد مع الغوطة الشرقية، مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع في المنطقة.

وبسبب الأسعار المرتفعة، لا تستطيع عائلة روان شراء الحليب الذي تحتاجه ابنتها حتى ولو وجدته. يقول مهند، إن سعر ذلك الحليب الآن يبلغ 25 ألف ليرة سورية أو ما يعادل نحو 50 دولارًا، ولكن مع وجود أربعة أشخاص في العائلة، فإن مهند يجد صعوبة بالغة في تأمين لقمة العيش لها.

الخوف من الانتقام
وفي وقت مبكر من يوم الأربعاء، زار مهند الهلال الأحمر السوري، وقيل له إن اسم ابنته روان موجود على قائمة الإجلاء. لكنه كان مترددًا بمرافقتها إلى دمشق أم لا، بسبب خوفه من اعتقاله من قبل النظام، ولذلك طلب بدلًا من ذلك أن يتم نقل ابنته إلى الأردن، وقال إن لديه من يكفله ليُسمح له بالذهاب معها.

وكان من الممكن أن تكون تركيا خيارًا آخر بالنسبة له، فقبل عدة أيام قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه تحدث مع روسيا لنقل المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية إلى تركيا كي يحصلوا على الرعاية الطبية.

وقال الدكتور محمد قطوب، مدير الجمعية الطبية السورية الأمريكية، لـ DW إن بعض الناس الذين سجلوا أسماء أطفالهم لإجلائهم غيروا رأيهم مثل مهند بسبب مخاوف مماثلة. وأكد أن الآباء الآخرين لديهم العديد من الأطفال المرضى الذين طلبوا إجلائهم، ولكن تم اختيار واحد منهم فقط، لتضطر هذه العوائل الآن أن تقرر ما إذا كانت ستبقى معًا في الغوطة المحاصرة أو ينفصل أفرادها عن بعضهم البعض.

وأضاف قطوب لـDW في تركيا: "إن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة هو أكثر بكثير من 640. هذا هو عدد الأشخاص الذين سجلوا أسماءهم لدى الهلال الأحمر السوري"، وتابع: "في الواقع، يمكن معالجة الكثير من سكان الغوطة الشرقية إذا رُفع الحصار".

والآن وإن لم يتم إجلاء روان من الغوطة الشرقية بسرعة، فإنها قد تموت كأطفال آخرين كانت أسماؤهم على قائمة الإجلاء، ففي يوم الأربعاء اكتشف فريق طبى أن الفتاة التي تبلغ من العمر ستة أشهر والتي جاء الفريق لإنقاذها توفيت منذ أسابيع. يحذر قطوب من أن آخرين سيموتون، إن لم يتم رفع الحصار والإسراع بعمليات الإجلاء.

ويؤكد قطوب أن "المخازن (في الغوطة الشرقية) تنفد من الإمدادات"، ويضيف: "لا يمكن للأطباء أن يعالجوا هؤلاء الأشخاص تحت الحصار. إن نطاق خدماتهم الطبية يتقلص يومًا بعد يوم".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية