العالم لا يباع.. ولا يشتري!
فشلت التهديدات الأمريكية، سواء التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب أو السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي في التأثير على الإرادة الدولية، التي رفضت إعلان ترامب بأن القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وجاءت نتيجة التصويت بأغلبية 128 صوتا مؤيدا لمشروع القرار في مقابل تسع أصوات منها أمريكا وإسرائيل وامتناع 35 دولة عن التصويت.
ولاشك أن النتيجة جاءت لصالح القضية الفلسطينية، بقدر ما كانت صادمة للإدارة الأمريكية التي لم تتوقف عن التهديد والوعيد، سواء على لسان رئيسها الذي أعلن أنه سيراجع المساعدات التي تقدمها أمريكا للدول التي ستوافق على المشروع.. ما سيخفف الأعباء عن الميزانية الأمريكية، أو ما صرحت به السفيرة الأمريكية من أنها ستسجل أسماء الدول المؤيدة لمشروع القرار، وسترسلها للرئيس الأمريكي الذي سيراقب التصويت بشكل دقيق.. وأنه سيتعامل مع انعقاد الجمعية العامة باعتباره «مسألة شخصية».. وفق ما تسرب من تصريحات سفراء بعض الدول الذين التقت بهم المندوبة الأمريكية.
أوضحت السفيرة في كلمتها أن أمريكا التي تساهم بأكبر تمويل للمنظمة الدولية، لن تنسي هذا اليوم إطلاقا.. ولم تخف السفيرة إدانتها لما أسمته الانحياز الكامل للجانب الفلسطيني، وأنها تكيل بمكيالين.
أما أغرب الكلمات التي ألقيت داخل الاجتماع، فقد ألقاها ممثل إسرائيل الذي اعتبر جميع الدول التي ترفض القرار الأمريكي مجرد دمي في يد الفلسطينيين، باعتبار أن محمود عباس يحرك ١٤ دولة كبري في مجلس الأمن، ويجبرها على التصويت لصالح القدس، ومن بينها إنجلترا الحليف الدائم لأمريكا وفرنسا والصين وروسيا.. وغيرها من الدول التي زعم المندوب الإسرائيلي أنها ألعوبة في يد الفلسطينيين، الذين كان بمقدورهم أيضا تحريك ١٢٨ دولة وإجبارها على التصويت ضد القرار الأمريكي.
حقق عباس كل تلك النتائج المبهرة.. بينما لم تستطع أمريكا بكل جبروتها، أن تؤثر سوي على قرارات سبع دول.. لم يسمع عنها أحد من قبل!
كانت الضربة موجعة لأمريكا بحق.. خاصة أنها جاءت بعد ساعات من قرار مجلس الأمن الذي أثبت أن العالم كله يقف ضد قرارات الرئيس الأمريكي، الذي يبدو أنه يعتبر المنظمات الدولية جزءا من المؤسسات الأمريكية، وكما ذكر من قبل فإن أمريكا ليست على استعداد للدفاع عن دول حليفة دون مقابل، ما يؤكد من جديد أنه يساهم بالجانب الأكبر من ميزانية المنظمة الدولية، ولا ينتظر منها سوي تأييد القرار الأمريكي، وتتعامل مندوبته في الأمم المتحدة مع باقي الدول كأنها الوصية على قراراتهم، وستضطر إلى إخبار الرئيس الأمريكي بأسماء كل الذين يصوتون لصالح مشروع القرار، ويدين الموقف الأمريكي.
صحيح أن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة، لكنها تعبر عن الضمير الدولي، وبالتأكيد تحذر كل دولة من أن تنقل سفارتها من تل أبيب إلى إسرائيل، كما أن القرار يتيح للفلسطينيين التحرك عبر المؤسسات القانونية الدولية، يساندهم هذا الإجماع العالمي الداعم للقرارات الدولية، سواء التي صدرت عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة وتمتع إسرائيل من تنفيذها.
وربما لم يكن أحد يتوقع امتناع ٣٥ دولة عن التصويت، ما يعكس حجم الضغوط الذي تعرضت له تلك الدول من جانب أمريكا، لقد أثبتت نتائج التصويت أن العالم لا يباع.. ولا يشتري!