الأمن القومي وحصاد السياسات الخاطئة!
على هيئة أساطيل بحرية أو كوماندوز أو قواعد ثابتة.. يكاد لا يوجد مكان في العالم يخلو من القوات الأمريكية التي تؤمن أن تأمين الحدود الأمريكية يبدأ من أي مكان بالعالم، وليس من الحدود الأمريكية أو بالقرب منها! وروسيا تمارس دور الاتحاد السوفيتي بشكل مصغر جدًا ورغم ذلك سارعت روسيا إلى حماية مصالحها حتى سوريا حتى لو كان ذلك بشكل مباشر وبقوات عسكرية روسية وها هي تلمح إلى احتمال التدخل في ليبيا!
إيران موجودة في لبنان كما هي موجودة في اليمن، أما العراق فحدث دون أي حرج وفي سوريا فحدث وحدث.. أما الوجود الإيراني في الأزمة العربية مع قطر فيعرفه الجميع بل تجد اتهامات لإيران بتفجير معبد يهودي في الأرجنتين!
تركيا ضالعة في ليبيا ومسئولة عما جرى في سوريا مع دول أخرى وهي الآن على الأراضي التركية وتوجد في الشمال العراقي! فرنسا موجودة في مالي وفي قلب أفريقيا وبريطانيا من قمة الأطلنطي وذهبت للحرب إلى جزر الفوكلاند بالأرجنتين في آخر الأطلنطي للدفاع عن مصالحها أيضًا!
وبينما كان كل ذلك وغيره الكثير يحدث كنا في مصر نرفع شعار الانكماش على الذات والتراجع إلى الداخل ولم ندرك أن الأمم العظيمة تصنعها تضحيات عظيمة، ولا توجد دولة لها دور بلا تكلفة بل راحت الصحف المصرية وقتها من منتصف السبعينيات وحتى وقت قريب لا هم لها إلا الدور المصري في اليمن رغم دوره في تأمين البحر الأحمر وباب المندب ودوره في خنق إسرائيل في حرب أكتوبر ونشروا الأكاذيب وزيفوا في الأرقام لمجرد منع مصر مستقبلا بالقيام بأي دور خارج أراضيها، بل إن منهم من هاجم وبلا خجل ما سماه زورًا "التدخل المصري في الكونغو"، رغم أن مصر كان دورها هو المشاركة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ولم تكن طرفًا أصلا في الصراع ولم تخرج عن دورها إلا بعملية مخابراتية كبيرة وأسطورية في تهريب أسرة الثائر الكونغولي لوممبا عام 1961 -كتبناها كاملة في مقال سابق- بعد القبض عليه وكان التزامًا أخلاقيًا، لكنَّ أسرته وحلفاءها هم من حكموا الكونغو فيما بعد وحتى الآن ولم ينسوا لمصر دورها بل كانوا أول من ساندونا في كل شيء وبما يؤكد أنه لا يوجد عطاء بغير مردود وأن الأدوار المنتظرة ليس بالضرورة أن تكون عسكرية أو مسلحة!
الأمن القومي المصري يجب أن يذهب بعيدًا عن الحدود.. بل بعيدًا جدًا.. وكل الثقة أن ذلك في ذهن القيادة المصرية ولكنها ترتب أولوياتها الآن ولكن على أبواق انكماش وتقزيم مصر أن تخجل من نفسها و"تختشي" وتخرس إلى الأبد!