رئيس التحرير
عصام كامل

الأنفاق.. المسمار الأخير في نعش الإرهاب


ربما لا تعرف الأجيال الحالية أن زيارة سيناء في فترة تاريخية حالكة، كانت تتم بإخطار للحاكم العسكري، وبإذن من المخابرات الحربية، كانت سيناء ولفترة طويلة مساحة من الغموض تسكنها المخاوف والهواجس الأمنية، وعندما كانت ميدانا للحروب ظلت حبيسة الموقف، ولما تحررت ظلت- للأسف الشديد- وكأن العزلة قدر محتوم ظل يطاردها، ولم تفلح دعوات التعمير في تحريك إرادة الحاكم طوال الوقت.


"١٠٠ مليار جنيه لتنفيذ مشروع عمراني عملاق بسيناء خلال ثلاث سنوات".. يكاد يكون أهم عنوان أسعدني على المستوى الشخصي في كل مشروعات الرئيس السيسي منذ توليه السلطة، صحيح قدم البرنامج الرئاسى عددا من المشروعات المهمة، لم أكن منها عند نفس الإحساس من وجهة نظر شخصية.

طرح الرئيس مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وقد ارتأيت فيها إنفاقا في غير محله، لايتناسب مع الظرف الذي تعيشه البلاد، ونجح في المشروع الإنساني العظيم بإعلان الحرب على فيروس سي، وكنت منه أقرب ما يكون إلى الإحساس بالفخر، حيث عشت لأرى الأمل يزرع في بيوت كان الموت هو العنوان الأعرض الذي تنتظره في أحب الناس، بعد أن طال المرض اللعين شبابا في عمر الزهور، وهدد قرابة الثلاثين مليون مصري؛ فأصبح بفضل هذا المشروع العملاق مجرد مرض عادي لدينا علاجه، وحققنا فيه معجزة بكل المقاييس على مستوى العالم.

وتوسع الرئيس في المشروع القومى للطرق، وكنت وما زلت منه في موضع الشك، خاصة أننا بحاجة إلى مشروعات تدر عوائد أسرع تمنح المرحلة العصيبة في تاريخنا حيوية وديناميكية لن تمنحها لنا شبكة طرق بعضها مشكوك في عوائده على المدى القريب، وفي المقابل وضع الرئيس لبنة قوية لإسكان يرقى بمتوسطى الدخل، وخاض حربا شرسة ضد العشوائيات بنموذج الأسمرات، فكنت من هذا المشروع أقرب إلى ما هو أبعد من الفخر بمصريتي.

وتحامل الرئيس على المؤسسة العسكرية في الكثير من المشروعات، وهو ما كنت منه في موقف الضد إيمانا مني بأن الظرف الذي نحياه يفرض علينا الوقوف خلف الجيش، بكل ما أوتينا من قوة، لمواجهة عدو يتسلل إلينا عبر أجهزة مخابرات عالمية، وقوى شر لا تريد لنا خيرا، وفي المقابل أسعدنى ذلك المشروع العملاق لإنتاج الثروة السمكية، كما أسعد كل المصريين المؤمنين بأن قضيتنا هي طعامنا، واستقلالنا يبدأ من قوت يومنا.

على أن مفاجأة الرئيس بطرح مشروع عمراني عملاق بسيناء، هو الانتصار الحقيقي لمواجهة عزلة سيناء، خاصة أن الإعلان جاء عقب ظهور بشائر شرايين الحياة التي شقت في باطن الأرض، لتصنع أنفاقا يخطئ من يتصورها لعبور السيارات إلى سيناء، لأنها تمثل إنهاء لعزلة فرضت على الأرض المقدسة على مدار سنوات، لعب الشك في قلوبنا بسبب تماديها وامتدادها، حتى طالت إحساسنا بالشك في الإرادة المصرية.

أنفاق سيناء هي انتقال للوادى إلى البقعة المقدسة، وإعادة وصل قومى لما هو أبعد من قيمة الأرض، وطرح مشروع عمرانى عملاق على النحو الذي تحدث عنه الرئيس، هو أول بادرة أمل لعبور الإرادة المصرية إلى أرض رويت بدماء زكية على مدار تاريخنا القديم والحديث، وهي نهاية لعصر التنمية بالحناجر، والنضال بالصوت، وتحطيم لقيود وضعت على بلادنا دون أن نعرف هدفها.

إعلان تعمير سيناء بمشروع محدد، هو تحطيم للشك الذي بثته فينا قوى الشر، الذي تسرب في ليل مشروعات إقليمية تنال من سيناء ومن تاريخها، ومن دماء الشهداء على رمالها، تعمير سيناء خلال سنوات ثلاث، هو بداية الوصل والاتصال، وتغيير في خارطة الأرض المباركة لم تنله على مدار آلاف السنين من ماضيها.. لن تبقى سيناء مجرد صحارى واسعة، عندما يدب العمران فيها وينتقل الناس إليها ليعيشوا على أرضها، يكشفون أسرارها ويحاربون الفراغ فيها، ويزرعون الأمل لأجيال قادمة.

والفكرة ليست في أشجار نزرعها أو مصانع نقيمها، الفكرة في حياة نبنيها، واستقرار يعيد للأمن القومى واحدة من أهم أدواته في المواجهة الشرسة، إعادة الأمل والاستقرار إلى نفوس أبنائنا في سيناء هو حائط الصد الأقوى في مواجهة قوى الشر، والأنفاق التي افتتحناها ستكون حتما بداية نهاية الإرهاب في الأرض المباركة.

وبعد أن كنا نغني مجازا "سينا رجعت كاملة لينا" دون أن نحدد المعنى الحقيقي للعودة، نستطيع القول الآن وبعد مد شرايين الحياة إليها، والإعلان عن مشروع عمراني عملاق يصل إليها خلال ثلاث سنوات.. الآن سيناء في طريق عودتها كاملة غير منقوصة لنا، وليس للفراغ والوحشة مكان على أرضها، لن يكون للإرهاب مكان، ولن يكون للمخربين موضع قدم، فالإرهاب والدمار نتائج طبيعية لغياب المعنى الحقيقي لفكرة العودة الكاملة، الإرهاب يسكن أرضا بلا عمران أو تنمية أو أمل!!
الجريدة الرسمية