مخطط أردوغان لحصار مصر والسعودية والإمارات عبر القرن الأفريقي.. ميناء سواكن السوداني يشعل الصراع «العربي - التركي» في البحر الأحمر.. ومنافسة شرسة في الصومال وجيبوتي
يبدو أن أسطورة الخلافة الإسلامية التي روجت لها دولة الأتراك العثمانيين قبل أن تهوى فوق رءوس أصحابها بعد الحرب العالمية الأولى، تستولي على عقل رئيس تركيا، ويصدق رجب طيب أردوغان ما عجز التاريخ عن إثباته.
ولتحويل الأسطورة إلى حقيقة يسعى أردوغان إلى تطويق الدول العربية من كل اتجاه والسيطرة على كل المنافذ الإستراتيجية برا وبحرا من أجل إيجاد دور إقليمي جديد لتركيا من خلال تشكيل قوة عسكرية تلعب دورا خطيرا ضد العرب حال نشوب حروب في منطقة الشرق الأوسط، وما تحالفه مع قطر وإسرائيل منا ببعيد.
وتخطط «تركيا - أردوغان» لحصار مصر ودول الخليج عبر شبكة القواعد العسكرية في منطقة القرن الأفريقي مما يعني تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي، وموطئ قدم للتدخل في الأزمة اليمنية ضد كل من السعودية والإمارات، وهو ما يأتي استمرارا للإشكالية حول مزاعم تركيا في أحقيتها بالخلافة الإسلامية بدلا من المسلمين العرب في الخليج.
ميناء سواكن
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السوداني أمس الثلاثاء إن تركيا ستعيد بناء ميناء متهدم يرجع إلى أيام الإمبراطورية العثمانية على الساحل السوداني على البحر الأحمر وستقوم ببناء حوض بحري لصيانة السفن المدنية والعسكرية.
ويأتي هذا التطور في وقت تعمل فيه أنقرة على توسيع روابطها العسكرية والاقتصادية في أفريقيا.
وقال وزير الخارجية إبراهيم غندور إنه تم الاتفاق على تجديد ميناء سواكن خلال زيارة للميناء القديم قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال أردوغان في أول زيارة يقوم بها رئيس تركي للسودان إن تركيا حصلت بصفة مؤقتة على حق استغلال جزء من ميناء سواكن حتى يمكنها إعادة بناء المنطقة كموقع سياحي ونقطة ترانزيت للحجاج المسافرين إلى مكة عن طريق البحر الأحمر.
وأضاف أن صفقة سواكن واحدة من عدة صفقات تم الاتفاق عليها مع السودان تبلغ قيمتها الإجمالية 650 مليون دولار. وكانت الولايات المتحدة قد رفعت في أكتوبر الماضي عقوبات كانت تفرضها على السودان الذي يسعى الآن لجذب الاستثمارات الدولية.
وصرح غندور للصحفيين بأن البلدين اتفقا أيضا على بناء حوض لصيانة السفن المدنية والعسكرية مضيفا أنهما وقعا اتفاقا قد يؤدي إلى أي شكل من أشكال التعاون العسكري.
وكان ميناء سواكن مرفأ رئيسيا في السودان أثناء خضوعه للحكم العثماني، لكنه تعرض خلال القرن الأخير للإهمال بعد إقامة ميناء بور سودان الواقع على مسافة 60 كيلومترا إلى الشمال منه.
وقال أردوغان في الخرطوم مدينة سواكن بعد تجديدها ستجذب الحجاج المتجهين إلى مكة الذين سيرغبون في التعرف على تاريخ الجزيرة مما يساهم في دعم قطاع السياحة السوداني.
وقال أردوغان "تصوروا أن الناس في تركيا الراغبين في أداء الحج سيأتون لزيارة المناطق التاريخية على جزيرة سواكن. ومن هناك سيعبرون إلى جدة بالسفن".
ومن الاتفاقات الأخرى التي تم توقيعها خلال زيارة أردوغان استثمارات تركية لبناء مطار جديد مزمع إقامته في الخرطوم واستثمارات للقطاع الخاص في إنتاج القطن وتوليد الكهرباء وبناء صوامع الحبوب والمجازر.
ونقل مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي عن أردوغان والرئيس السوداني عمر حسن البشير قولهما إنهما يهدفان إلى رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى عشرة مليارات دولار.
وفي أكتوبر رفعت الولايات المتحدة حظرا تجاريا وعقوبات أخرى كانت سببا في عزل السودان عن جانب كبير من النظام المالي العالمي.
وكان وزير الدولة السوداني للاستثمار قال إنه يستهدف جذب استثمارات تبلغ عشرة مليارات دولار سنويا بالمقارنة مع مليار دولار فقط في 2016 وفق تقديرات الأمم المتحدة.
قاعدة الصومال
وبعيدا عن تصريحات المسئولين السودانيين «الأشقاء،» وتركيا التي تذكرت فجأة ميراث العثمانيين من القواعد البحرية في بلاد العرب، فإن هذه القاعدة ليست الأولى لتركيا في الشرق الأفريقي ففي سبتمبر الماضي افتتحت تركيا، في الصومال ثاني قاعدة لها خارج أراضيها
وهذه القاعدة تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري والسعودي واليمني والسودان، لأن تركيا تعمل في القرن الأفريقي بالتنسيق التام مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مما يعني أن القاعدة تعد موطأ قدم للقوى على شواطئ البحر الأحمر وتهديد مباشر للدول المطلة عليه وكذا قناة السويس أهم ممر ملاحي في العالم، وركيزة يعتمد عليه الاقتصاد المصري.
وكشف الباحث السعودي إبراهيم آل مرعي عن أهداف تركيا من وراء هذه القواعد في القرن الأفريقي، قائلا: إن التمركز التركي يسعى لأن يكون في منطقة جيوإستراتيجية غاية في الخطورة والتأثير السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، لتقليص النفوذ والتأثير المصري في القارة السمراء.
وأضاف «وفرض تركيا نفسها كقوة مؤثرة في المنطقة الجغرافية لدول البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وتحديدًا (السعودية، ومصر،والسودان،اليمن) وتسويق صناعاتها العسكرية في القارة الأفريقية».
وأكد أن تركيا توظف تواجدها في القرن الأفريقي كقوة ضغط على دول البحر الأحمر وورقة تفاوض رابحة في أي ملف مع الدول العظمى المتواجدة في القرن الأفريقي.
منافسة اقتصادية
كما تسعى تركيا من خلال تواجدها في القرن الأفريقي لمزاحمة دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة اقتصاديا، خاصة أن لها استثمارات كثيرة في هذه المنطقة الحيوية فعلى سبيل المثال يضم القرن الأفريقي أهم ممرات الشحن الرئيسية في العالم، وترى تركيا فيها فرص لبناء الموانئ البحرية وغيرها من الهياكل الأساسية للنقل.
وعلى سبيل المثال، تدير الشركة الإماراتية للطيران الخدمات اللوجستية في مطار مقديشو، وتنافست شركات الإمارات العربية المتحدة لتطوير الميناء والمطار في كسمايو. والواقع أن الإمارات سبقت تركيا في الصومال، وأنها كانت تشغل مركزا للتدريب العسكري في مقديشو منذ عام 2015.
منطقة جيبوتي
ولم تتوقف مطامع أردوغان عند السودان والصومال إذ وصلت إلى جيبوتي حتى لا يترك موطئ قدم للعرب في القرن الأفريقي إذ يجري في المرحلة الحالية تكثيف الاستعدادات الرامية لإنشاء “المنطقة الاقتصادية التركية في جيبوتي”، في ضوء التطور الذي شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين مؤخرا.
وتصدر موضوع التعاون الاقتصادي؛ جملة القضايا التي تناولها المسئولون الأتراك والجيبوتيون، خلال الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة إلى تركيا الأسبوع الماضي.
وفي هذا السياق، شكلت مسألة إنشاء “المنطقة الاقتصادية التركية” إحدى أبرز القضايا التي جرت مناقشتها خلال اللقاءات التي جمعت ممثلي قطاع الأعمال التركي والوفد الجيبوتي المرافق للرئيس جيلة.
وتبقى مساعي أردوغان محاولة لإيجاد دور محوري في المنطقة لصالح دولته، وصار مطلوبا من العرب أن يتحدوا قبل أن تهدمهم جنود العثماني الحالم بخلافة لم تثبت يوما في التاريخ.